قوله تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان " يعني آدم عليه السلام . " من صلصال " أي من طين يابس ، عن ابن عباس وغيره . والصلصال : الطين الحر خلط بالرمل فصار يتصلصل إذا جف ، فإذا طبخ بالنار فهو الفخار ؛ عن أبي عبيدة . وهو قول أكثر المفسرين . وأنشد أهل اللغة :
كعدو المُصَلْصِل الجَوَّال{[9650]}
وقال مجاهد : هو الطين المنتن ، واختاره الكسائي . قال : وهو من قول العرب : صل اللحم وأصل إذا أنتن - مطبوخا كان أو نيئا - يصل صلولا . قال الحطيئة :
ذاك فتًى يبذلُ ذا قِدْرِهِ *** لا يُفْسِد اللحم لديه الصُّلُولْ
وطين صَلاَّل ومِصْلاَل ، أي يصوت إذا نقرته كما يصوت الحديد . فكان أول ترابا ، أي متفرق الأجزاء ثم بل فصار طينا ، ثم ترك حتى أنتن فصار حمأ مسنونا ، أي متغيرا ، ثم يبس فصار صلصالا ، على قول الجمهور . وقد مضى في " البقرة " بيان{[9651]} هذا . والحمأ : الطين الأسود ، وكذلك الحمأة بالتسكين ، تقول منه : حَمِئَتِ البئرُ حَمْأً ( بالتسكين ) إذا نزعت حمأتها . وحمئت البئر حَمَأً ( بالتحريك ) كثرت حمأتها . وأحماتها إحماء ألقيت الحمأة ، عن ابن السكيت . وقال أبو عبيدة : الحمأة ( بسكون الميم ) مثل الكمأة . والجمع حَمْء ، مثل تمرة وتمر . والحمأ المصدر ، مثل الهلع والجزع ، ثم سمي به . والمسنون المتغير . قال ابن عباس : ( هو التراب المبتل المنتن ، فجعل صلصالا كالفخار ) . ومثله قول مجاهد وقتادة ، قالا : المنتن المتغير ، من قولهم : قد أسن الماء إذا تغير ، ومنه " يتسنه{[9652]} " [ البقرة : 259 ] و " ماء غير آسن{[9653]} " [ محمد : 15 ] . ومنه قول أبي قيس بن الأسلت :
سقت صداي رُضَابَا غيرَ ذي أسن*** كالمسك فُتَّ على ماء العناقيد
وقال الفراء : هو المتغير ، وأصله من قولهم : سننت الحجر على الحجر إذا حككته به . وما يخرج من الحجرين يقال له السنانة والسنين ، ومنه المِسَن . قال الشاعر :
ثم خَاصَرْتُهَا إلى القُبَّةِ الحَمْ ***رَاء تمشي{[9654]} في مَرْمَرٍ مسنونِ
أي محكول مملس . حكي أن يزيد بن معاوية قال لأبيه : ألا ترى عبدالرحمن بن حسان يشبب بابنتك . فقال معاوية : وما قال ؟ فقال قال :
هي زهراءُ مثلُ لؤلوةِ الغَوّ *** اص مِيزَتْ من جوهرٍ مَكْنُونِ
فقال معاوية : صدق ! فقال يزيد : [ إنه يقول ]{[9655]} :
وإذا ما نَسَبْتَهَا لم تجدها *** في سَناء من المكارم دُونِ
فقال : صدق ! فقال : أين قوله :
وقال أبو عبيدة : المسنون المصبوب ، وهو من قول العرب : سننت الماء وغيره على الوجه إذا صببته . والسَّن الصب . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : ( المسنون الرطب ) ، وهذا بمعنى المصبوب ؛ لأنه لا يكون مصبوبا إلا وهو رطب . النحاس : وهذا قول حسن ؛ لأنه يقال : سننت الشيء أي صببته . قال أبو عمرو بن العلاء : ومنه الأثر المروي عن عمر{[9656]} أنه كان يسن الماء على وجهه ولا يشنه . والشنّ ( بالشين ) تفريق الماء ، وبالسين المهملة صبه من غير تفريق . وقال سيبويه : المسنون المصور . أُخِذَ من سنة الوجه وهو صورته . وقال ذو الرمة :
تُرِيكَ سنَّةَ وجهٍ مُقْرِفَةٍ *** مَلْسَاء ليس لها خال ولا نَدَبُ{[9657]}
وقال الأخفش : المسنون . المنصوب القائم ، من قولهم : وجه مسنون إذا كان فيه طول . وقد قيل : إن الصلصال للتراب المدقق ، حكاه المهدوي . ومن قال : إن الصلصال هو المنتن فأصله صلال ، فأبدل من إحدى اللامين . " من حمأ " مفسر لجنس الصلصال ، كقولك : أخذت هذا من رجل من العرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.