السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

ولما استدل سبحانه وتعالى بتخليق الحيوانات على صحة التوحيد في الآية المتقدّمة أردفه بالاستدلال بتخليق الإنسان على هذا المطلوب بقوله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان } قال الرازي والمفسرون : أجمعوا على أنّ المراد منه آدم عليه السلام . ونقل في كتب الشيعة عن محمد بن علي الباقر أنه قال : قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم أو أكثر سمي إنساناً لظهوره وإدراك البصر إياه ، وقيل : من النسيان لأنه عهد إليه فنسى . { من صلصال } ، أي : من الطين الشديد اليابس الذي لم تصبه نار ، إذا نقرته سمعت له صلصلة ، أي : صوتاً . وقال ابن عباس : هو الطين إذا نضب عنه الماء تشقق فإذا حرّك تقعقع . وقال مجاهد : هو الطين المنتن واختاره الكسائي وقال الفراء : هو طين خلط برمل فصار له صوت عند نقره . وقال الرازي : قال المفسرون : خلق الله تعالى آدم من طين فصوّره وتركه في الشمس أربعين سنة فصار صلصالاً لا يدري أحد ما يراد به ولم يروا شيئاً من الصور يشبهه إلى أن نفخ فيه الروح . { من حمأ } ، أي : طين أسود منتن { مسنون } ، أي : مصوّر بصورة الآدمي . وقال ابن عباس : هو التراب المبتل المنتن . وقال مجاهد : هو المنتن المتغير . قال البغوي : وفي بعض الآثار إنّ الله تعالى خمر طينة آدم وتركه حتى صار متغير أسود ثم خلق منه آدم عليه السلام . قال ابن الخازن : والجمع بين هذه الأقوال على ما ذكره بعضهم أنّ الله تعالى لما أراد خلق آدم عليه السلام قبض قبضة من تراب الأرض وإليه الإشارة بقوله تعالى : { إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } [ آل عمران ، 59 ] ثم إنّ ذلك التراب بله بالماء وحمأ حتى اسودّ وأنتن ريحه وتغير وإليه الإشارة بقوله تعالى : { من حمأ مسنون } ثم إنّ ذلك الطين الأسود المتغير صوّره الله صورة إنسان أجوف فلما جف ويبس كانت تدخل فيه الريح فيسمع له صلصلة وإليه الإشارة بقوله تعالى : { من صلصال كالفخار } [ الرحمن ، 14 ] وهو الطين اليابس يفخر في الشمس ثم نفخ فيه الروح فكان بشراً سوياً .