النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

قوله عز وجل : { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حَمَإٍ مسنون } أما الإنسان هاهنا فهو آدم عليه السلام في قول أبي هريرة والضحاك .

أما الصلصال ففيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه الطين اليابس الذي لم تصبه نار ، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة ، قاله ابن عباس وقتادة ، ومنه قول الشاعر :

وقاعٍ ترى الصَّلصال فيه ودونه *** بقايا بلالٍ بالقرى والمناكبِ

والصلصة : الصوت الشديد المسموع من غير الحيوان ، وهو مثل القعقعة في الثوب .

الثاني : أنه طين خلط برمل ، قاله عكرمة .

الثالث : أنه [ الطين ] المنتن ، قاله مجاهد ، مأخوذ من قولهم : صَلَّ اللحمُ وأصَلَّ إذا أنتن ، قال الشاعر{[1683]} :

ذاك فتى يبذل ذا قدرِهِ *** لا يفسد اللحم لديه الصلول{[1684]}

والحمأ : جمع حمأة وهو الطين الأسود المتغير .

وفي المسنون سبعة أقاويل :

أحدها : أن المسنون المنتن المتغير ، من قولهم قد أسن الماء إذا تغير ، قاله ابن عباس ، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت :

سَقَتْ صدايَ رضاباً غير ذي أَسَنٍ *** كالمسكِ فُتَّ على ماءٍ العناقيد

الثاني : أن المسنون المنصوب القائم ، من قولهم وجه مسنون ، قاله الأخفش .

الثالث : أن المسنون المصبوب ، من قولهم سنيتُ الماء على الوجه إذا صببته عليه ، قاله أبو عمرو بن العلاء ، ومنه الأثر المروي عن عمر أنه كان يسن الماء على وجهه ولا يشنُّه ، والشن تفريق الماء ، والسن صبه .

الرابع : أن المسنون الذي يحك بعضه بعضاً ، من قولهم سننت الحجر على الحجر إذا حككت أحدهما بالآخر ، ومنه سمي المسَنّ لأن الحديد يسن عليه ، قاله الفراء .

الخامس : أن المسنون المنسوب .

السادس : أنه الرطب ، قاله ابن أبي طلحة .

السابع : أنه المخلص{[1685]} من قولهم سن سيفك أي أجلهُ{[1686]} .


[1683]:هو الحطيئة.
[1684]:سقط من ق.
[1685]:المخلص، هكذا وردت في الأصول. ولعلها المجلو، ثم حرفها النساخ.
[1686]:قال تعالى: خلق الإنسان من صلصال كالفخار (آية 14 الرحمن) وقال جل شأنه: أنا خلقناهم من طين لازب (آية "الصافات") وقال عز وجل: كمثل آدم خلقه من تراب (2 آل عمران) وذلك كله متفق المعنى فقد أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طينا، ثم انتقل فصار كالحمأ المسنون ثم انتقل فصار صلصالا كالفخار. ثم كان بشرا فتبارك الله أحسن الخالقين.