الآية 26 : وقوله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون } وقال في آية أخرى : { هو الذي خلقكم من طين } ( الأنعام : 2 ) وقال : { إنا خلقناهم من طين لازب } ( الصافات : 11 ) وقال في [ آية ]{[9825]} أخرى : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } ( المؤمنون : 12 ) وقال : { فإنا خلقناكم من تراب } ( الحج : 5 ) .
ذكر مرة الحمأ المسنون ؛ وقيل : هو الطين الأسود المتغير ، وذكر مرة التراب ، ومرة الطين اللازب ، وهو الملتزق ، ومرة من سلالة الطين . فيشبه أن يكون على الأحوال واختلاف الأوقات : كان في الحال {[9826]} الأول ترابا ، وفي حال طينا لازبا وفي حال حمأ مسنونا ، وهو الذي اسود ، وتغير لطول مكثه ، وصلصالا وفخارا{[9827]} . فقبل أن يكون خلقا مركبا : الجوارح فيه والعظام ، كان على{[9828]} هذه الأحوال الثلاثة على ( ما ) {[9829]} أخبر من تغير أحوال أولاده حين {[9830]} قال : { فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة } ( الحج : 5 ، . . . . . . . ) ذكر أحوالا ثلاثة قبل أن يخلق [ فيه ]{[9831]} لحما وعظما في حال ، كان نطفة [ ثم صار علقة ]{[9832]} ثم صار مضغة .
فعلى ذلك يحتمل ما ذكر في آدم من تراب وطين وحمأ ونحوه ، إن كان على اختلاف الأحوال على ما ذكرنا .
أو أن يكون على التشبيه والتمثيل بالطين الذي ذكر ، وهو أن الطين الذي يكون كالصلصال والفخار واللازب ونحوه ، هو الطين الطيب الذي يكون منه البنيان والأواني والقدور وجميع أنواع المنافع .
وأما الطين الذي يخبث فإنه لا يتخذ منه شيء مما ذكرنا ، ولا يتخذ ، ولا يتهيأ اتخاذ شيء من ذلك ، فيشبه خلق آدم بالطين الذي يجتمع فيه جميع أنواع المنافع . فعلى ذلك جمع في آدم جميع أنواع المنافع والخير كالطين الطيب .
ثم فيه دلالة قدرته وسلطانه وذكر نعمه حين{[9833]} أخبر أنه خلق آدم من تراب و طين وما ذكر ، وليس في التراب ولا في الطين من أثر البشرية شيء ، وكذلك ليس في النطفة التي خلق البشر منها أثر البشرية شيء ليعلم أنه قادر على إنشاء الأشياء من شيء ومن لا شيء ؛ إذ ليس في ما ذكر من الطين والتراب الذي خلق منه أبا البشر من أثر البشرية [ فيه شيء ، ولا في النطفة التي خلق منها أولاده من أثر البشرية ]{[9834]} والإنسانية من اللحم والعظم والشعر وغيره ، وما ركب فيهم من العقل والعلم والتدبير والجوارح وغير ذلك ، شيء ، لتعلم قدرته وسلطانه على خلق الأشياء لا من شيء ، وليعرفوا نعمه التي أنعمها عليهم حين{[9835]} أخبر أنه خلق آدم من طين لازب وصلصال وما ذكر ؛ وذلك وصف الطين لأن ما خبث من الطين ، لا يبلغ المبلغ الذي وصف ، ولا يصير إلى تلك الحال ، وإن طال مكثه لأنه لا ينتفع به لا من اتخاذ البنيان والأواني والقدور ، ولا ينبت الزروع أيضا ، فيحتمل على التمثيل الذي ذكرنا لا على التحقيق {[9836]} أو على التحقيق على الأحوال المختلفة . فدل أنه إنما خلقه من طين ، طاب أصله .
فعلى ذلك تحتمل النطفة التي يخلق منها البشر ، [ أن ]{[9837]} تكون طاهرة ، وهي لا تصيب شيئا [ من النجاسات والرطوبات في البدن ]{[9838]} وهي على غير الوصف ، تخرج ، لأنه قال : { خلق من ماء دافق } ( الطارق : 6 ) وقال : { ألم نخلقكم من ماء مهين } ( المرسلات : 20 ) .
والصلصال : قال بعضهم : هو التراب اليابس ، والحمأ الطين الأسود ، والمسنون المنتن المتغير ، وقال بعضهم : الصلصال هو الذي إذا ضربته يصوت ، ومنه يقال : صلصلة اللجام ، والفرس إذا كان يصلصل ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه .
وقال القتبي : الصلصال الطين اليابس الذي لا يصيبه النار ، فإذا نقرته صوت ، فإذا مسته النار فهو فخار .
والمسنون المتغير الرائحة ، والمسنون أيضا المنصوب ، وسننت الشيء ، إذا صببته صبا سهلا ، وسن الماء على وجهك ، وهو قول القتبي .
وقال أبو عوسجة : { من حمإ مسنون } الحمأ التراب الأسود ، يكون في أسفل البئر ، ومن هذا سمي الحمأ ، لأنه يحمأ أن يرعى ، ويقال : حمأت الحرب والشمس والتنور يحمأ إذا اشتد حره ، و{ مسنون } أي مخلوق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.