غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

1

الدليل الثامن : الاستدلال على خلق الإنسان خاصة وذلك أنه لا بد من انتهاء الناس إلى إنسان أول ضرورة امتناع القول بوجود حوادث لا أول لها . وقد أجمع المفسرون على أنه آدم عليه السلام ، ورأيت في كتب الشيعة عن محمد بن علي الباقر رضي الله عنه أنه قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم أو أكثر ، وكيف كان فلا بد من إنسان هو أول الناس . والأقرب أنه تعالى خلق آدم من تراب ثم من طين ثم من حمإٍ مسنون ثم من صلصال كالفخار . وقد كان قادراً على خلقه من أيّ جنس من الأجسام كان ، بل كان قادراً على خلقه ابتداء . وإنما خلقه على هذا الترتيب لمحض المشيئة . أو لما كان فيه من زلة الملائكة والجن ، أو لغير ذلك من المصالح ، ولا شك أن خلق الإنسان من هذه الأمور أعجب من خلق الشيء من شكله وجنسه ، والصلصال الطين اليابس الذي يصلصل أي يصوّت وهو غير مطبوخ فإذا طبخ فهو فخار . وقيل : هو تضعيف صل إذا أنتن . والحمأ الأسود المتغير من الطين ، وكذلك الحمأة بالتسكين . المسنون المصوّر من سنة الوجه أي صورته قاله سيبويه . وقال أبو عبيدة : المسنون المصبوب المفرغ أي أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصورة من الجواهر المذابة . وقال ابن السكيت : سمعت أبا عمرو يقول : معنا متغير منتن وكأنه من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فالذي يسيل منهما سنين ولا يكون إلا منتناً . قال في الكشاف : قوله : { من حمإٍ } صفة صلصال أي خلقه من صلصال كائن من حمإ . قلت : ولا يبعد أن يكون بدلاً أي خلقه من حما . قال : وحق مسنون بمعنى مصوّر أن يكون صفة لصلصال كأنه أفرغ الحمأ فصوّر منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ، ثم غيره بعد ذلك الى جوهر آخر .

/خ50