فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ( 26 ) }

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسَانَ } أي آدم عليه السلام لأنه أصل هذا النوع { مِن } لابتداء الغاية أو للتبعيض { صَلْصَالٍ } أي طين يابس إذا نضب عنه الماء تشقق فإذا حرك تقعقع ، وإذا نفرته سمعت له صلصلة . أي صوتا .

قال أبو عبيدة : هو الطين المخلوط بالرمل الذي يتصلصل إذا حرك ، فإذا طبخ بالنار فهو الفخار ، وهذا قول أكثر المفسرين وقال الكسائي هو الطين المنتن مأخوذ من قول العرب صل اللحم ، وأصل إذا أنتن مطبوخا كان أو نيئا .

وهذا الطور آخر أطوار آدم الطينية . وأول ابتدائه أنه كان ترابا متفرق الأجزاء ثم بل فصار طينا ثم أنتن واسود فصار حمأ مسنونا أي متغيرا ثم يبس فصار صلصالا ، وعلى هذه الأطوار والأحوال تتخرج الآيات الواردة في أطواره الطينية كآية خلقه من تراب وآية بشرا من طين ، وهذه الآية التي نحن فيها .

{ مِّنْ } ابتدائية { حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } الحمأ الطين الأسود المتغير أو الطين الأسود من غير تقييد بالمتغير .

قال ابن السكيت : تقول منه حمأت البئر حمأ بالتسكين إذا نزعت حمأها ؛ وحميت البئر حمأ بالتحريك كثرت حمأتها ، وأحميتها احماء ألقيت فيها الحمأة . قال أبو عبيدة : الحمأة سكون الميم مثل الحمأة يعني بالتحريك ، والجمع حمأ مثل تمرة وتمر والحمأ مصدر مثل الهلع والجزع ثم سمي به .

والمسنون قال الفراء : هو المتغير وأصله من سننت الحجر على الحجر إذا حككته وما يخرج بين الحجرين يقال له السنانة والسنين ، ويقال أسن الماء إذا تغير ؛ ومنه قوله : { لم يتسنه } وقوله : { من ماء غير آسن } وكلا الاشتقاقين يدل على التغيير لأن ما يخرج بين الحجرين لا يكون إلا منتنا .

وقال أبو عبيدة : المسنون المصبوب وهو من قول العرب سننت الماء على الوجه إذا صببته والسن الصب " .

وقال سيبويه : المسنون المصور مأخوذ من سنة الوجه وهي صورته ، وقال الأخفش : المسنون المنصوب القائم . من قولهم وجه مسنون إذا كان فيه طول ، والحاصل على هذه الأقوال أن التراب لما بل صار طينا فلما أنتن صار حمأ مسنونا فلما يبس صار صلصالا ، فأصل الصلصال هو الحمأ المسنون ، ولهذا وصف بهما ، وعن ابن عباس قال : خلق الإنسان من ثلاث : من طين لازب وصلصال وحمأ مسنون ، فالطين اللازب اللازم الجيد والصلصال المدقق الذي يصنع منه الفخار ، والحمأ المسنون الطين الذي فيه الحمأة .

وقال أيضا الصلصال الماء يقع على الأرض الطيبة ثم يحسر عنها فتشقق ثم تصير مثل الخزف الرقاق ، وعنه قال : الصلصال هو التراب اليابس الذي يبل بعد يبسه . وقال أيضا طين خلط برمل . وقال أيضا الذي إذا ضربته صلصل ، وعنه قال الطين تعصر بيدك فتخرج الماء من بين أصابعك ، وقال حمأ مسنون من طين رطب وقال من طين منتن .