معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

قوله تعالى : { قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } قال الحسن و قتادة : أعطى كل شيء صلاحه ، وهداه لما يصلحه . وقال مجاهد : أعطى كل شيء صورته لم يجعل خلق الإنسان كخلق البهائم ، ولا خلق البهائم كخلق الإنسان ، ثم هداه إلى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح . وقال الضحاك : أعطى كل شيء خلقه يعني : اليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع . وقال سعيد بن جبير : أعطى كل شيء خلقه يعني : زوج للإنسان المرأة وللبعير الناقة والحمار الأتان والفرس الرمكة ثم هدى . أي : ألهمه كيف يأتي الذكر الأنثى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

وقوله : " قالَ رَبّنا الّذِي أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى " يقول تعالى ذكره : قال موسى له مجيبا : ربنا الذي أعطى كلّ شيء خلقه ، يعني : نظير خلقه في الصورة والهيئة كالذكور من بني آدم ، أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجا ، وكالذكور من البهائم ، أعطاها نظير خلقها ، وفي صورتها وهيئتها من الإناث أزواجا ، فلم يعط الإنسان خلاف خلقه ، فيزوّجه بالإناث من البهائم ، ولا البهائم بالإناث من الإنس ، ثم هداهم للمأتي الذي منه النسل والنماء كيف يأتيه ، ولسائر منافعه من المطاعم والمشارب ، وغير ذلك .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : بنحو الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى " يقول : خلق لكلّ شيء زوجة ، ثم هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " قالَ رَبّنا الّذِي أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى " يقول : أعطى كلّ دابة خلقها زوجا ، ثم هدى للنكاح .

وقال آخرون : معنى قوله " ثُمّ هَدَى " أنه هداهم إلى الأُلفة والاجتماع والمناكحة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " الّذِي أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى " يعني : هدى بعضهم إلى بعض ، ألّف بين قلوبهم وهداهم للتزويج أن يزوّج بعضهم بعضا .

وقال آخرون : معنى ذلك : أعطى كلّ شيء صورته ، وهي خلقه الذي خلقه به ، ثم هداه لما يُصلحه من الاحتيال للغذاء والمعاش . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : " أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى " قال : أعطى كلّ شيء صورته ثم هدى كلّ شيء إلى معيشته .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى " قال : سوّى خلق كلّ دابة ، ثم هداها لما يُصلحها ، فعلّمها إياه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : " رَبّنا الّذِي أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى " قال : سوّى خلق كلّ دابة ثم هداها لما يُصلحها وعلّمها إياه ، ولم يجعل الناس في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الناس ، ولكن خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حميد عن مجاهد " أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى " قال : هداه إلى حيلته ومعيشته .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أعطى كلّ شيء ما يُصلحه ، ثم هداه له . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : " أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ " قال : أعطى كلّ شيء ما يُصلحه . ثم هداه له .

قال أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك ، لأنه جلّ ثناؤه أخبر أنه أعطى كلّ شيء خلقه ، ولا يعطي المعطي نفسه ، بل إنما يعطي ما هو غيره ، لأن العطية تقتضي المعطي المُعطَى والعطية ، ولا تكون العطية هي المعْطَى ، وإذا لم تكن هي هو ، وكانت غيره ، وكانت صورة كلّ خلق بعض أجزائه ، كان معلوما أنه إذا قيل : أعطى الإنسان صورته ، إنما يعني أنه أعطى بعض المعاني التي به مع غيره دعي إنسانا ، فكأن قائله قال : أعطى كلّ خلق نفسه ، وليس ذلك إذا وجه إليه الكلام بالمعروف من معاني العطية ، وإن كان قد يحتمله الكلام . فإذا كان ذلك كذلك ، فالأصوب من معانيه أن يكون موجها إلى أن كلّ شيء أعطاه ربه مثل خلقه ، فزوّجه به ، ثم هداه لما بيّنا ، ثم ترك ذكر مثل ، وقيل أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَه كما يقال : عبد الله مثل الأسد ، ثم يحذف مثل ، فيقول : عبد الله الأسد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

استبد موسى صلى الله عليه وسلم بجوابه من حيث خصه في السؤال ثم أعلمه من صفات الله تعالى بأن لا شرك لفرعون فيه لا بوجه مجاز واختلف المفسرون في قوله { الذي أعطى كل شيء خلقه } فقالت فرقة معناه أعطى الذكران من كل الحيوان نوعه وخلقته أنثى { ثم هدى } للإتيان ، وقالت فرقة بل المعنى أعطى كل موجود من مخلوقاته خلقته وصورته ، أي أكمل ذلك له وأتقنه { ثم هدى } أي يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا القول أشرف معنى وأعم في الموجودات ، وقرأت فرقة «خلَقه » بفتح اللام ويكون المفعول الثاني ب { أعطى } مقدراً تقديره كماله أو خلقته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

تولى موسى الجواب لأنّه خصّ بالسؤال بسبب النّداء له دون غيره .

وأجاب موسى بإثبات الربوبية لله لجميع الموجودات جرياً على قاعدة الاستدلال بالكلية على الجزئية بحيث ينتظم من مجموعهما قياس ، فإن فرعون من جملة الأشياء ، فهو داخل في عموم { كل شيء } .

و { كُلَّ شَيْءٍ } مفعول أول ل { أعطى } . و { خَلْقَهُ } مفعوله الثاني .

والخلق : مصدر بمعنى الإيجاد . وجيء بفعل الإعطاء للتنبيه على أنّ الخلق والتكوين نعمة ، فهو استدلال على الربوبية وتذكير بالنعمة معاً .

ويجوز أن يكون الخلق بالمعنى الأخصّ ، وهو الخَلق على شكل مخصوص ، فهو بمعنى الجَعْل ، أي الذي أعطى كل شيء من الموجودات شكله المختصّ به ، فكُونت بذلك الأجناسُ والأنواع والأصناف والأشخاص من آثار ذلك الخلق .

ويجوز أن يكون { كُلَّ شَيْءٍ } مفعولاً ثانياً ل { أعطى } ومفعوله الأول { خَلْقَهُ } ، أي أعطى خلقه ما يحتاجونه ، كقوله : { فأخرجنا به نبات كل شيء } [ الأنعام : 99 ] . فتركيب الجملة صالح للمعنيين .

والاستغراق المستفاد من ( كلّ ) عُرفي ، أي كل شيء من شأنه أن يعطاه أصنافُ الخلق ويناسب المعطي ، أو هو استغراق على قصد التوزيع بمقابلة الأشياء بالخلق ، مثل : ركب القوم دوابّهم .

والمعنى : تأمل وانظر هل أنتَ أعطيت الخَلق أوْ لاَ ؟ فلا شك أنه يعلم أنّه ما أعطى كلّ شيء خلقه ، فإذا تأمل علم أن الرب هو الذي أفاض الوجود والنّعم على الموجودات كلّها ، فآمن به بعنوان هذه الصفة وتلك المعرفة الموصّلة إلى الاعتقاد الحق .

و ( ثُم ) للترتيب بمعنييْه الزمني والرتبي ، أي خلق الأشياء ثمّ هدى إلى ما خلقهم لأجله ، وهداهم إلى الحق بعد أن خلقهم ، وأفاض عليهم النّعم ، على حد قوله تعالى : { ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين } [ البلد : 8 10 ] أي طريقي الخير والشرّ ، أي فرّقنا بينهما بالدلائل الواضحة .

قال الزمخشري في « الكشاف » : « ولله درّ هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالباً للحق » .