فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

{ قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيء خَلْقَهُ } أي : قال موسى مجيباً له ، و{ ربنا } مبتدأ ، وخبره { الذي أعطى كُلَّ شَيء خَلْقَهُ } ، ويجوز أن يكون { ربنا } خبر مبتدأ محذوف ، وما بعده صفته .

قرأ الجمهور : { خلقه } بسكون اللام ، وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ : «خلقه » بفتح اللام على أنه فعل ، وهي قراءة ابن أبي إسحاق ، ورواها نصير عن الكسائي . فعلى القراءة الأولى يكون خلقه ثاني مفعولي " أعطى " . والمعنى : أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به المطابقة له كاليد للبطش ، والرجل للمشي واللسان للنطق ، والعين للنظر ، والأذن للسمع ، كذا قال الضحاك وغيره . وقال الحسن وقتادة : أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه . وقال مجاهد : المعنى لم يخلق خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ، ولكن خلق كل شيء فقدّره تقديراً ، ومنه قول الشاعر :

وله في كل شيء خِلْقُهُ *** وكذاك الله ما شاء فعل

وقال الفراء : المعنى خلق للرجل المرأة ، ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث . ويجوز أن يكون خلقه على القراءة الأولى هو المفعول الأوّل لأعطى ، أي أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، ومعنى { ثُمَّ هدى } : أنه سبحانه هداهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له ، وأما على القراءة الآخرة ، فيكون الفعل صفة للمضاف أو للمضاف إليه ، أي أعطى كل شيء خلقه الله سبحانه ولم يخله من عطائه ، وعلى هذه القراءة يكون المفعول الثاني محذوفاً ، أي أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه ، فيوافق معناها معنى القراءة الأولى .

/خ59