الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

" قال " موسى : " ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه " أي أنه يعرف بصفاته ، وليس له اسم علم حتى يقال فلان بل هو خالق العالم ، والذي خص كل مخلوق بهيئة وصورة ، ولو كان الخطاب معهما لقالا : قالا ربنا " وخلقه " أول مفعولي أعطى ، أي أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، أو ثانيهما أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به ، على قول الضحاك على ما يأتي . " ثم هدى " قال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي : أعطى كل شيء زوجه من جنسه ، ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ، وعن ابن عباس ثم هداه إلى الألفة والاجتماع والمناكحة . وقال الحسن وقتادة : أعطى كل شيء صلاحه ، وهداه لما يصلحه . وقال مجاهد : أعطى كل شيء صورة ، ويجعل خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ، ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا . وقال الشاعر :

وله في كل شيءٍ خِلْقَةٌ *** وكذاك الله ما شاء فَعَلْ

يعني بالخلقة الصورة ، وهو قول عطية ومقتل . وقال الضحاك أعطى كل شيء خلقه من المنفعة المنوطة به المطابقة له . يعني اليد للبطش ، والرجل للمشي ، واللسان للنطق ، والعين للنظر ، والأذن للسمع . وقيل : أعطى كل شيء ما ألهمه من علم أو صناعة . وقال الفراء : خلق الرجل للمرأة ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث ثم هدى الذكر للأنثى . فالتقدير على هذا أعطى كل شيء مثل خلقه .

قلت وهذا معنى قول ابن عباس . الآية بعمومها تتناول جميع الأقوال . وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ " الذي أعطى كل شيء خلقه " بفتح اللام ؛ وهي قراءة ابن إسحاق . ورواها نصير عن الكسائي وغيره ، أي أعطى بني آدم كل شيء خلقه مما يحتاجون إليه . فالقراءتان متفقتان في المعنى .