البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

واستبد موسى عليه السلام بجواب فرعون من حيث خصه بالسؤال والنداء معاً ثم أعلمه من صفات الله تعالى بالصفة التي لا شرك لفرعون فيها ولا حيث خصه بالسؤال والنداء معاً ثم أعلمه من صفات الله تعالى بالصفة التي لا شرك لفرعون فيها ولا بوجه مجاز .

قال الزمخشري : ولله در هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالباً للحق انتهى .

والمعنى أعطى كل ما خلق خلقته وصورته على ما يناسبه من الإتقان لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ولكن خلق كل شيء فقدره تقديراً .

وقال الشاعر :

وله في كل شيء خلقة *** وكذلك الله ما شاء فعل

وهذا قول مجاهد وعطية ومقاتل وقال الضحاك { خلقه } من المنفعة المنوطة به المطابقة له { ثم هدى } أي يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه ، فأعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار ، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع ، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه .

قال القشيري : والخلق المخلوق لأن البطش والمشي والرؤية والنطق معان مخلوقة أودعها الله للأعضاء ، وعلى هذا مفعول { أعطى } الأول { كل شيء } والثاني { خلقه } وكذا في قول ابن عباس وابن جبير والسدّي وهو أن المعنى { أعطى كل شيء } مخلوقه من جنسه أي كل حيوان ذكر نظيره أنثى في الصورة .

فلم يزاوج منهما غير جنسه ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه .

وعن ابن عباس أنه هداه إلى إلفه والاجتماع به والمناكحة .

وقال الحسن وقتادة { أعطى كل شيء } صلاحه وهداه لما يصلحه .

وقيل { كل شيء } هو المفعول الثاني لأعطى و { خلقه } المفعول الأول أي { أعطى } خليقته { كل شيء } يحتاجون إليه ويرتفقون به .

وقرأ عبد الله وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو نهيك وابن أبي إسحاق والأعمش والحسن ونصير عن الكسائي وابن نوح عن قتيبة وسلام خَلَقَهُ بفتح اللام فعلاً ماضياً في موضع الصفة لكل شيء أو لشيء ، ومفعول { أعطى } الثاني حذف اقتصاراً أي { كل شيء خلقه } لم يخله من عطائه وإنعامه { ثم هدى } أي عرف كيف يرتفق بما أعطى وكيف يتوصل إليه .

وقيل : حذف اختصاراً لدلالة المعنى عليه ، أي { أعطى كل شيء خلقه } ما يحتاج إليه وقدره ابن عطية كماله أو مصلحته .