فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

{ قال } موسى مجيبا له : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه } الذي هو عليه متميز به عن غيره ؛ قرئ بفتح اللام على أنه فعل وبسكون اللام ، والمعنى أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق بالمنفعة المنوطة به المطابقة له كاليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع ، كذا قال الضحاك وغيره . قال الحسن وقتادة : أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه . وقال مجاهد : المعنى لم يخلق خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ، ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا . ومنه قول الشاعر :

وله في كل شيء خلقه وكذلك الله ما شاء فعل

وقال الفراء : المعنى خلق للرجل المرأة ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث أو المعنى أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، ومعنى { ثم هدى } أنه سبحانه هداهم إلى طريق الانتفاع بما أعطاهم فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له ، أو المعنى أعطى كل شيء خلقه الله سبحانه ولم يخله من عطائه .

قال ابن عباس : خلق لكل شيء زوجة ثم هدى ، قال هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ، ولما سمع فرعون ما احتج به موسى في ضمن هذا الكلام على إثبات الربوبية وشاهد ما نظمه في سلك الاستدلال من البرهان النير كما لا يخفى من أن الخلق والهداية ثابتان بلا خلاف ولا بد لهما من خالق وهاد ، وذلك الخالق والهادي هو الله سبحانه لا رب غيره ، خاف أن يظهر للناس أحقية ما قاله موسى وبطلان خرافاته ، أراد أن يصرف موسى عن سننه إلى ما لا يعنيه من الأمور التي لا تعلق لها بالرسالة من الحكايات لأجل أن يرى قومه أن عنده معرفة .