معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (4)

{ أن اعبدوا الله واتقوه واطيعون . يغفر لكم من ذنوبكم } من صلة ، أي : يغفر لكم ذنوبكم . وقيل : يعني ما سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان ، وذلك بعض ذنوبهم ، { ويؤخركم إلى أجل مسمى } أي : بما فيكم إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم ، { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون } يقول : آمنوا قبل الموت ، تسلموا من العذاب ، فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولا يمكنكم الإيمان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (4)

وقوله : يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ يقول : يغفر لكم ذنوبكم .

فإن قال قائل : أَوَليست «من » دالة على البعض ؟ قيل : إن لها معنيين وموضعين ، فأما أحد الموضعين فهو الموضع الذي لا يصلح فيه غيرها . وإذا كان ذلك كذلك لم تدلّ إلا على البعض ، وذلك كقولك : اشتريت من مماليكك ، فلا يصلح في هذا الموضع غيرها ، ومعناها : البعض ، اشتريت بعض مماليكك ، ومن مماليكك مملوكا . والموضع الاَخر : هو الذي يصلح فيه مكانها عن فإذا ، صلحت مكانها «عن » دلت على الجميع ، وذلك كقولك : وجع بطني من طعام طعِمته ، فإن معنى ذلك : أوجع بطني طعام طعمته ، وتصلح مكان «من » عن ، وذلك أنك تضع موضعها «عن » ، فيصلح الكلام فتقول : وجع بطني عن طعام طعمته ، ومن طعام طعمته ، فكذلك قوله : يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ إنما هو : ويصفح لكم ، ويعفو لكم عنها وقد يحتمل أن يكون معناها يغفر لكم من ذنوبكم ما قد وعدكم العقوبة عليه . فأما ما لم يعدكم العقوبة عليه فقد تقدّم عفوه لكم عنها .

وقوله : وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أجَل مُسَمّى يقول : ويؤخّر في آجالكم فلا يهلككم بالعذاب ، لا بغَرَق ولا غيره إلى أجل مسمى يقول إلى حين كتب أنه يبقيكم إليه ، إن أنتم أطعتموه وعبدتموه ، في أمّ الكتاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : إلى أجَل مُسَمّى قال : ما قد خطّ من الأجل ، فإذا جاء أجل الله لا يؤخّر .

وقوله : إنّ أجَلَ اللّهِ إذَا جاءَ لا يُؤَخّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره : إن أجل الله الذي قد كتبه على خلقه في أمّ الكتاب إذا جاء عنده لا يؤخر عن ميقاته ، فينظر بعده لو كنتم تعلمون يقول : لو علمتم أن ذلك كذلك ، لأنبتم إلى طاعة ربكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (4)

و { يغفر } جواب الأمر وقوله تعالى : { من ذنوبكم } قال قوم { من } زائدة ، وهذا نحو كوفي ، وأما الخليل وسيبويه فلا يجوز عندهم زيادتها في الواجب ، وقال قوم : هي لبيان الجنس ، وهذا ضعيف لأنه ليس هنا جنس يبين ، وقال آخرون هي بمعنى «عن » . وهذا غير معروف في أحكام «من » ، وقال آخرون : هي لابتداء الغاية وهذا قول يتجه كأنه يقول يبتدئ الغفران من هذه الذنوب العظام التي لهم . وقال آخرون : هي للتبعيض ، وهذا عندي أبين الأقوال ، وذلك أنه لو قال : «يغفر لكم ذنوبكم » لعم هذا اللفظ ما تقدم من الذنوب وما تأخر عن إيمانهم ، والإسلام إنما يجبُّ ما قبله ، فهي بعض من ذنوبهم ، فالمعنى يغفر لكم ذنوبكم ، وقال بعض المفسرين : أراد { يغفر لكم من ذنوبكم } المهم الموبق الكبير لأنه أهم عليهم ، وبه ربما كان اليأس عن الله قد وقع لهم وهذا قول مضمنه أن { من } للتبعيض والله تعالى الموفق . وقرأ أبو عمرو : { يغفر لكم } بالإدغام ، ولا يجيز ذلك الخليل وسيبويه ، لأن الراء حرف مكرر ، فإذا أدغم في اللام ذهب التكرير واختل المسموع . وقوله تعالى : { ويؤخركم إلى أجل مسمى } مما تعلق المعتزلة به في قولهم : إن للإنسان أجلين ، وذلك أنهم قالوا : لو كان واحداً محدوداً لما صح التأخير ، إن كان الحد قد بلغ ولا المعاجلة إن كان الحد لم يبلغ .

قال القاضي أبو محمد : وليس لهم في الآية تعلق ، لأن المعنى أن نوحاً عليه السلام ، لم يعلم هل هم ممن يؤخر أو ممن يعاجل ؟ ولا قال لهم : إنكم تؤخرون عن أجل قد حان لكم ، لكن قد سبق في الأزل أنهم إما ممن قضى لهم بالإيمان والتأخير وإما ممن قضي عليه بالكفر والمعاجلة ، فكأن نوحاً عليه السلام قال لهم : آمنوا يبين لكم أنكم ممن قضي لهم بالإيمان والتأخير ، وإن بقيتم فسيبين لكم أنكم ممن قضي عليه بالكفر والمعاجلة ثم تشدد هذا المعنى ولاح بقوله : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر } . وقد حكى مكي القول بالأجلين ولم يقدره قدره ، وجواب { لم } ، مقدر يقتضيه اللفظ كأنه قال : فما كان أحزمكم أو أسرعكم إلى التوبة { لو كنتم تعلمون } .