معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

قوله تعالى : { أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً } يجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث ، { ويجعل من يشاء عقيماً } فلا يلد ولا يولد له . قيل : هذا في الأنبياء عليهم السلام { يهب لمن يشاء إناثاً } يعني : لوطاً لم يولد له ذكر ، إنما ولد له ابنتان ، { ويهب لمن يشاء الذكور } يعني : إبراهيم عليه السلام لم يولد له أنثى ، { أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً } يعني : يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ولد له بنون وبنات ، { ويجعل من يشاء عقيماً } يحيى وعيسى عليهما السلام لم يولد لهما ، وهذا على وجه التمثيل ، والآية عامة في حق كافة الناس . { إنه عليم قدير } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

يقول تعالى ذكره : لله سلطان السموات السبع والأرضين ، يفعل في سلطانه ما يشاء ، ويخلق ما يحبّ خلقه ، يهب لمن يشاء من خلقه من الولد الإناث دون الذكور ، بأن يجعل كل ما حملت زوجته من حمل منه أنثى وَيَهبُ لِمُنْ يَشاءُ الذّكُورَ يقول : ويهب لمن يشاء منهم الذكور ، بأن يجعل كلّ حمل حملته امرأته ذكرا لا أنثى فيهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا قال : يخلط بينهم يقول : التزويج : أن تلد المرأة غلاما ، ثم تلد جارية ، ثم تلد غلاما ، ثم تلد جارية .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إناثا ، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذّكُورَ قادر والله ربنا على ذلك أن يهب للرجل ذكورا ليست معهم أنثى ، وأن يهب للرجل ذكرانا وإناثا ، فيجمعهم له جميعا ، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيما لا يولد له .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قول الله عزّ وجلّ : يَهَبُ لَمَنْ يَشاءُ إناثا ، وَيَهبُ لِمَنْ يَشاءُ الذّكُورَ ليست معهم إناث أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا قال : يهب لهم إناثا وذكرانا ، ويجعل من يشاء عقيما لا يُولدَ له .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيما يقول : لا يُلْقِح .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيما لا يلد واحدا ولا اثنين .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد الله ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إناثا ، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذّكُورَ ليس فيهم أنثى أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا تلد المرأة ذكرا مرّة وأنثى مرّة وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيما لا يُولد له . وقال ابن زيد : في معنى قوله : أوْ يُزَوّجُهُمْ ما :

حدثني يونس ، قال : ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : في قوله : أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا قال : أو يجعل في الواحد ذكرا وأنثى توأما ، هذا قوله : أوْ يُزَوّجَهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا .

وقوله : إنّهُ عَلِيم قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره : إن الله ذو علم بما يخلق ، وقُدرة على خلق ما يشاء لا يعزب عنه علم شيء من خلقه ، ولا يعجزه شيء أراد خلقه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

{ أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما } بدل من { يخلق } بدل البعض ، والمعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا ويعقم آخرين ، ولعل تقديم الإناث لأنها أكثر لتكثير النسل ، أو لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشيئة الله لا مشيئة الإنسان والإناث كذلك ، أو لأن الكلام في البلاء والعرب تعدهن بلاء ، أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل ولذلك عرف الذكور ، أو لجبر التأخير وتغيير العاطف في الثلث لأنه قسيم المشترك بين القسمين ، ولم يحتج إليه الرابع لا فصاحة بأنه قسيم المشترك بين الأقسام المتقدمة . { إنه عليم قدير } فيفعل ما يفعل بحكمة واختيار .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أو يزوجهم}: وإن يشأ نصفهم.

{ذكرانا وإناثا} يعني يولد له مرة بنين وبنات ذكورا وإناثا، فنجعلهم له.

{ويجعل من يشاء عقيما}، لا يولد له. {إنه عليم} بخلقه، {قدير} في أمر الولد والعقم وغيره...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا": يهب لهم إناثا وذكرانا، ويجعل من يشاء عقيما لا يُولدَ له.

"إنّهُ عَلِيم قَدِيرٌ": إن الله ذو علم بما يخلق، وقُدرة على خلق ما يشاء لا يعزب عنه علم شيء من خلقه، ولا يعجزه شيء أراد خلقه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{أو يزوّجُهم ذُكرانا وإناثا} التزويج هو الجمع بين الشكلين والمتماثلين في الحقيقة. وقد يسمّى التزويج بين المتضادّين مجازا، والله أعلم. فيكون معنى قوله: {أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا} أي يقرن، ويجمع بين الإناث والذكور، فيهب له من النوعين جميعا حالة واحدة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما فرغ من أقسام الموهوبين الثلاثة، عطف على الإنعام بالهبة سلب ذلك، فقال موضع أن يقال مثلاً: ولا يهب شيئاً من ذلك لمن يشاء: {ويجعل من يشاء عقيماً} أي لا يولد له كيحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام -كذا قالوه، والظاهر أنه لا يصح مثالاً فإنه لم يتزوج، قال ابن ميلق: وأصل العقيم اليبس المانع من قابلية التأثر لما من شأنه أن يؤثر، والداء العقام هو الذي لا يقبل البرء- انتهى. فهذا الذي ذكر أصرح في المراد لأجل ذكر العقم، وأدل على القدرة؛ لأنه شامل لمن له قوة الجماع والإنزال لئلا يظن أن عدم الولد لعدم تعاطي أسبابه، وذكروا في هذا القسم عيسى عليه الصلاة والسلام. ولا يصح لأنه ورد أنه يتزوج بعد نزوله ويولد له، وهذه القسمة الرباعية في الأصول كالقسمة الرباعية في الفروع، بعضهم لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه الصلاة والسلام، وبعضهم من ذكر فقط كحواء عليها السلام، وبعضهم من أنثى فقط كعيسى عليه السلام وبعضهم من ذكر وأنثى وهم أغلب الناس، فتمت الدلالة على أنه ما شاء كان ولا راد له وما لم يشأ لم يكن، ولا مكون له ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.

ولما دل هذا الدليل الشهودي على ما بنيت الآية عليه من إثبات الملك له وحده مع ما زادت به من جنس السياق وعذوبة الألفاظ وإحكام الشك وإعجاز الترتيب والنظم، كانت النتيجة قطعاً مؤكدة لتضمن إشراكهم به الطعن في توحده بالملك مقدماً فيها الوصف الذي هو أعظم شروط الملك:

{إنه عليم} أي بالغ العلم بمصالح العباد وغيرها {قدير} شامل القدرة على تكوين ما يشاء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{إِنَّهُ عَلِيمٌ قدير} جملة في موضع العلة للمبدل منه وهو {يخلق ما يشاء} فموقع (إنّ) هنا موقع فاء التفريع. والمعنى: أن خلقه ما يشاء ليس خلقاً مهملاً عرياً عن الحكمة لأنه واسع العلم لا يفوته شيء من المعلومات فخلقه الأشياء يجري على وفق علمه وحكمته. وهو {قدير} نافذ القدرة فإذا علم الحكمة في خلق شيء أراده، فجرى على قَدَره. ولمّا جمع بين وصفي العلم والقدرة تعين أن هنالك صفة مطوية وهي الإرادة لأنه إنما تتعلق قدرته بعد تعلق إرادته بالكائن.

وتفصيلُ المعنى: أنه عليم بالأسباب والقُوى والمؤثرات التي وضعها في العوالم، وبتوافق آثار بعضها وتخالف بعض، وكيف تتكون الكائنات على نحو ما قُدِّر لها من الأوضاع، وكيف تتظاهر فتأتي الآثار على نسق واحد، وتتمانع فينقص تأثير بعضها في آثاره بسبب ممانعة مؤثراتٍ أخرى وكل ذلك من مظاهر علمه تعالى في أصل التكوين العالمي ومظاهر قدرته في الجري على وفاق علمه.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم يُرقِّى الحق سبحانه عطاءه للعبد، فيقول {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً..} يعني: يزاوج بين النوعين، فيهب لك الذكور ويهب لك الإناث.

{وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً} يعني: يحرم هذه الهبة لحكمة أرادها الله.

وحتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يتعالى أحد على أحد يُعلِّمنا ربنا عز وجل أن مسألة الإنجاب هذه أو عدم الإنجاب لا تؤثر على منازل العباد عند الله تعالى، فحين أهَب الذكور أو الإناث أو أزواج بينهما لا يعني هذا رضاي عن عبدي، وحين أحرمه لا يعني هذا سخطي على عبدي، إنما هي سنتي في خَلْقي أنْ أهبَ الذكور وأنْ أهبَ الإناث، وأنْ أجعل مَنْ أشاء عقيماً.

لذلك تجدون هذه السُّنة نافذة حتى في الرسل الذين هم أكرم الخَلْق على الله، فسيدنا لوط وسيدنا شعيب وهبهما اللهُ الإناثَ، وسيدنا إبراهيم وهبه الله الذكور، وسيدنا محمد وهبه الله الذكور والإناث، فكان له عبد الله والقاسم وإبراهيم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة.

إذن: لكم في رسول الله أسْوة حسنة. والذين يستقبلون أقدار الله في هذه المسألة بالرضا، ويرتفع عندهم مقام الإيمان والتسليم، ويؤمنون أن هذه هبة من الله حتى العقم يعتبرونه هبة، هؤلاء يُعوِّضهم الله، فحين ترضى مثلاً بالبنات وتُربِّيهن أحسن تربية، وتُحسن إليهنَّ يجعل الله لك من أزواجهن مَنْ يُعوِّضك عن الولد، وربما كانوا أبرَّ بك من الأبناء بآبائهم.

وتختتم الآية بقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} والعليم يهب على قَدْر علمه بالأمور، وبما يصلح عبده وما لا يُصلحه، فهو وحده سبحانه الذي يعلم أن هذا يصلح هنا، وهذا يصلح هنا، ثم هو سبحانه {قَدِيرٌ} له القدرة المطلقة في مسألة الخَلْق، لا يعجزه شيء ولا تقيده الأسباب.