السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

{ أو يزوجهم } أي : الأولاد فيجعلهم أزواجاً أي : صنفين حال كونهم { ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً } أي : لا يولد له .

قال الرازي : وفي الآية سؤالات ؛ الأول : أنه قدم الإناث في الذكر على الذكور أولاً ثم قدم الذكور على الإناث ثانياً فما السبب أي : فما الحكمة في هذا التقديم والتأخير ؟ الثاني : أنه نكر الإناث وعرف الذكور ، وقال في الصنفين معاً : أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ؟ الثالث : أنه لما كان حصول الولد هبة من الله تعالى فيكفي في عدم حصوله أن لا يهب فأي حاجة في عدم حصوله إلى قوله تعالى : { ويجعل من يشاء عقيماً } الرابع : هل المراد بهذا الحكم جمع معينون أو الحكم على الإنسان المطلق ثم قال : والجواب عن الأول : أن الكريم يسعى في أن يقع الختم على الخير والراحة فإذا وهب الأنثى أولاً ثم أعطى الذكر بعدها فكأنه نقله من الغم إلى الفرح وهذا غاية الكرم ، أما إذا أعطى الذكر أولاً ثم أعطى الأنثى ثانياً فكأنه نقله من الفرح إلى الغم ، فذكر الله تعالى هبة الأنثى أولاً ثم ثنى بهبة الذكر حتى يكون قد نقله من الغم إلى الفرح فيكون أليق بالكرم ، قيل : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لأن الله تعالى بدأ بالإناث ، وأما تقديم ذكر الذكور على ذكر الإناث ثانياً فلأن الذكر أكمل وأفضل من الأنثى والأفضل مقدم على المفضول ، وأما الجواب عن تنكير الإناث وتعريف الذكور فهو أن المقصود منه التنبيه على أن الذكر أفضل من الأنثى .

وأما قوله تعالى : { أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً } فهو أن كل شيئين يقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان وكل واحد منهما يقال له : زوج والكناية في يزوجهم عائدة على الإناث والذكور ، والمعنى : يجعل الذكور والإناث أزواجاً أي : يجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث وأما الجواب عن قوله تعالى : { عقيماً } فالعقيم : هو الذي لا يلد ولا يولد له يقال : رجل عقيم وامرأة عقيم ، وأصل العقم : القطع ، ومنه قيل الملك عقيم لأنه تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق ، وأما الجواب عن الرابع : فقال ابن عباس رضي الله عنهما : يهب لمن يشاء إناثاً يريد لوطاً وشعيباً عليهما السلام لم يكن لهما إلا البنات ويهب لمن يشاء الذكور يريد إبراهيم عليه السلام لم يكن له إلا الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً يريد محمداً صلى الله عليه وسلم ، كان له من البنين ثلاثة على الصحيح القاسم وعبد الله وإبراهيم ومن البنات أربع زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ، ويجعل من يشاء عقيماً يريد يحيى وعيسى عليهما السلام ، وقال أكثر المفسرين : هذا على وجه التمثيل وإنما الحكم عام في كل الناس لأن المقصود بيان نفاذ قدرة الله تعالى في تكوين الأشياء كيف شاء فلا معنى للتخصيص ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله تعالى : { إنه عليم } أي : بالغ العلم بمصالح العباد وغيرها { قدير } أي : شامل القدرة على تكوين ما يشاء .