نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

ولما فرغ من القسمين الأولين عطف عليهما قسيماً لهما ودل على أنه قسم بأو فقال : { أو يزوجهم } أي الأولاء بجعلهم ازواجاً أي صنفين حال كونهم { ذكراناً وإناثاً } مجتمعين في بطن ومنفردين كما منح محمداً صلى الله عليه وسلم ، ورتبهما هنا على الأصل تنبيهاً على أنه ما فعل غير ذلك فيما مضى إلا لنكت جليلة فيجب تطلبها ، وعبر في الذكر بما هو أبلغ في الكثرة ترغيباً في سؤاله ، والخضوع لديه رجاء نواله .

ولما فرغ من أقسام الموهوبين الثلاثة ، عطف على الإنعام بالهبة سلب ذلك ، فقال موضع أن يقال مثلاً : ولا يهب شيئاً من ذلك لمن يشاء : { ويجعل من يشاء عقيماً } أي لا يولد له كيحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام - كذا قالوه ، والظاهر أنه لا يصح مثالاً فإنه لم يتزوج ، قال ابن ميلق ، وأصل العقيم اليبس المانع من قابلية التأثر لما من شأنه أن يؤثر ، والداء العقام هو الذي لا يقبل البرء - انتهى . فهذا الذي ذكر أصرح في المراد لأجل ذكر العقم ، وأدل على القدرة لأنه شامل لمن له قوة الجماع والإنزال لئلا يظن أن عدم الولد لعدم تعاطي أسبابه ، وذكروا في هذا القسم عيسى عليه الصلاة والسلام . ولا يصح لأنه ورد أنه يتزوج بعد نزوله ويولد له ، وهذه القسمة الرباعية في الأصول كالقسمة الرباعية في الفروع ، بعضهم لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه الصلاة والسلام ، وبعضهم من ذكر فقط كحواء عليها السلام ، وبعضهم من أنثى فقط كعيسى عليه السلام وبعضهم من ذكر وأنثى وهم أغلب الناس ، فتمت الدلالة على أنه ما شاء كان ولا راد له وما لم يشأ لم يكن ، ولا مكون له ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .

ولما دل هذا الدليل الشهودي على ما بنيت الآية عليه من إثبات الملك له وحده مع ما زادت به من جنس السياق وعذوبة الألفاظ وإحكام الشك وإعجاز الترتيب والنظم ، كانت النتيجة قطعاً مؤكدة لتضمن إشراكهم به الطعن في توحده بالملك مقدماً فيها الوصف الذي هو أعظم شروط الملك : { إنه عليم } أي بالغ العلم بمصالح العباد وغيرها { قدير* } شامل القدرة على تكوين ما يشاء .