البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حظه من التقديم والتأخير ، وعرفان تقديمهن لم يكن لتقدمهن ، ولكن لمقتضى آخر فقال : { ذكراناً وإناثاً } ، كما قال : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } { فجعل منه الزوجين والذكر والأنثى } انتهى .

وقيل : بدأ بالأنثى ثم ثنى بالذكر ، لتنقله من الغم إلى الفرح .

وقيل : ليعلم أنه لا اعتراض على الله فيرضى .

فإذا وهب له الذكر ، علم أنه زيادة وفضل من الله وإحسان إليه .

وقيل : قدمها تنبيهاً على أنه إذا كان العجز والحاجة لهم ، كانت عناية الله أكثر .

وقال مجاهد : هو أن تلد المرأة غلاماً ، ثم تلد جارية .

وقال محمد بن الحنيفة : أن تلد توأماً ، غلاماً وجارية .

وقال أبو بكر بن العربي : أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً .

قال علماؤنا : يعني آدم ، كانت حواء تلد له في كل بطن توأمين ، ذكراً وأنثى ؛ تزوج ذكر هذا البطن أنثى البطن الآخر . انتهى .

ولما ذكر الهبة في الإناث ، والهبة في الذكور ، اكتفى عن ذكرها في قوله : { أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً } .

ولما كان العقم ليس بمحمود قال : { ويجعل من يشاء عقيماً } ، وهو قسيم لمن يولد له .

ولما كانت الخنثى مما يحزن بوجوده ، لم يذكره تعالى .

قالوا : وكانت الخلقة مستمرة ، ذكراً وأنثى ، إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى ، فسئل فارض العرب ومعمرها عامر بن الظرب عن ميراثه ، فلم يدر ما يقوله وأرجأهم .

فلما جن عليه الليل ، جعل يتقلب وتذهب به الأفكار ، وأنكرت خادمه حاله فسألته ، فقال : بهرت لأمر لا أدري ما أقول فيه ، فقالت له : ما هو ؟ فقال : شخص له ذكر وفرج ، كيف يكون حاله في الميراث ؟ قالت له الأمة : ورثه من حيث يبول ، فعقلها وأصبح فعرضها عليهم ، فرضوا بها .

وجاء الإسلام على ذلك ، وقضى بذلك علي ، كرم الله وجهه ، إنه عليم بمصالح العباد ، قدير على تكوين ما يشاء .