مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ } أي يقرنهم { ذُكْرَاناً وإناثا وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } لما ذكر إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها ، أتبع ذلك أن له تعالى الملك وأنه يقسم النعمة والبلاء كيف أراد ويهب لعباده من الأولاد ما يشاء ، فيخص بعضاً بالإناث ، وبعضاً بالذكور ، وبعضاً بالصنفين جميعاً ، ويجعل البعض عقيماً . والعقيم التي لا تلد وكذلك رجل عقيم إذا كان لا يولد له . وقدم الإناث أولاً على الذكور لأن سياق الكلام أنه فاعل لما يشاؤه لا ما يشاؤه الإنسان ، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم والأهم واجب التقديم ، وليلي الجنس الذي كانت العرب تعدّه بلاء ذكر البلاء . ولما أخر الذكور وهم أحقاء بالتقديم تدارك تأخيرهم بتعريفهم لأن التعريف تنويه وتشهير ، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير وعرّف أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن ولكن لمقتض آخر فقال { ذُكْرَاناً وإناثا } . وقيل : نزلت في الأنبياء عليهم السلام حيث وهب للوط وشعيب إناثاً ، ولإبراهيم ذكوراً ، ولمحمد صلى الله عليه وسلم ذكوراً وإناثاً ، وجعل يحيى وعيسى عليهما السلام عقيمين { إِنَّهُ عَلِيمٌ } بكل شيء { قَدِيرٌ } قادر على كل شيء .