اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

ثم ذكر من أقسام تصرف الله تعالى في العالم أنه يخص البعض بالأولاد و الإناث والبعض بالذكور والبعض بهما ، والبعض بأن يجعله محروماً من الكل وهو المراد بقوله : { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً }{[49506]} .

قوله : { ذُكْرَاناً وَإِنَاثا } حال وهي حال لازمة ؟ وسوغ مجيئها كذلك أنها بعد ما يجوز أن يكون الأمر على خلافه ، لأن معنى يزوجهم يقرنهم{[49507]} .

قال الزمخشري : فإن قلت : لم قدم الإناث على الذكور مع تقديمهم عليهن ثم رجع فقدمهم ؟ ! ولم عرف الذكور بعدما نكَّر الإناث ؟ ! . قلت : لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى ، وكفران الإنسان بنسيانه الرحمة السابقة عنه ، ثم عقبه{[49508]} بذكر ملكه ومشيئته وذكر قسمة الأولاد فقد الإناث ؛ لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه لا ما يشاؤ ( ه ){[49509]} الإنسان ، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما يشاؤه الإنسان أهم ، والأهم واجب التقديم ، وليليَ الجنس التي كانت العرب تعده بلاء ( ذكر ){[49510]} البلاء ، وآخر الذكور ، فلما أخرهم تدارك تأخيرهم وهم أحقَّاء بالتقديم وبالتَّعريف ، لأن تعريفهم فيه تنويه وتشهير ، كأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم .

ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حظه من التقديم والتأخير وعرف أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن ولكن لمقتضى آخر فقال : «ذُكْرَاناً وإنَاثاً » ( كَمَا قَالَ : إنَّا ){[49511]} { خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى } [ الحجرات : 13 ] فجعل فيه { الزوجين الذكر والأنثى }{[49512]} .

/خ50

ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله : { إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[49513]} : عليم بما خلق قدير ما يشاء أن يخلقه . والله أعلم .


[49506]:انظر الرازي 27/184.
[49507]:الدر المصون 4/765.
[49508]:في النسختين ذكره.
[49509]:زيادة من الكشاف.
[49510]:زيادة من الكشاف.
[49511]:سقط من أ.
[49512]:[القيامة: 39]. وانظر الكشاف 3/475.
[49513]:في النسختين ليس بدل لبشر تحريف.