قوله تعالى : { أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل } وذلك أنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من المسافرين ، فترك الناس الممر بهم . وقيل : تقطعون سبيل النسل بإيثار الرجال على النساء ، { وتأتون في ناديكم المنكر } النادي ، والندى ، والمنتدى : مجلس القوم ومتحدثهم .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو العباس بن سهل بن محمد المروزي ، أنبأنا جدي لأمي أبو الحسن المحمودي ، أنبأنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، أنبأنا بشر بن معاذ حدثهم : أنبأنا يزيد بن زريع ، أنبأنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن أبي صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب عن أم هانئ قالت : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { وتأتون في ناديكم المنكر } قلت : ما المنكر الذي كانوا يأتون ؟ قال : كانوا يحذفون أهل الطرق ويسخرون بهم " ويروى أنهم كانوا يجلسون في مجالسهم ، وعند كل رجل منهم قصعة فيه حصا ، فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان أولى به . وقيل : إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم ، ولهم قاض بذلك . وقال القاسم بن محمد : كانوا يتضارطون في مجالسهم . وقال مجاهد : كان يجامع بعضهم بعضاً في مجالسهم . وعن عبد الله بن سلام قال : كان يبزق بعضهم على بعض . وعن مكحول قال : كان من أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء ، وحل الإزار ، والصفير ، والحذف ، واللوطية ، { فما كان جواب قومه } لما أنكر عليهم لوط ما يأتونه من القبائح ، { إلا أن قالوا } له استهزاءً : { ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين } أن العذاب نازل بنا ، فعند ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَئِنّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَن قَالُواْ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل لوط لقومه أئِنّكُمْ أيها القوم لَتأْتُونَ الرّجالَ في أدبارهم وَتَقْطَعُونَ السّبِيلَ يقول : وتقطعون المسافرين عليكم بفعلكم الخبيث ، وذلك أنهم فيما ذُكر عَنْهم كانوا يفعلون ذلك بمن مرّ عليهم من المسافرين ، من ورد بلادهم من الغرباء . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَتَقْطَعُونَ السّبِيلَ قال : السبيل : الطريق . المسافر إذا مرّ بهم ، وهو ابن السبيل قَطَعوا به ، وعملوا به ذلك العمل الخبيث .
وقوله : وَتأتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ اختلف أهل التأويل في المنكر الذي عناه الله ، الذي كان هؤلاء القوم يأتونه في ناديهم ، فقال بعضهم : كان ذلك أنهم كانوا يتضارطُون في مجالسهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الرحمن بن الأسود ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، قال : حدثنا رَوْح بن عُطيفة الثقفيّ ، عن عمرو بن صعب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، في قوله وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قال : الضراط .
وقال آخرون : بل كان ذلك أنهم كانوا يخذفون من مر بهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع قالا : حدثنا أبو أسامة ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن أبي صالح ، عن أمّ هانىء ، قالت : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قالَ : «كانُوا يَخْذِفُونَ أهْلَ الطّرِيقِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ » فهو المنكر الذي كانوا يأتون .
حدثنا الربيع ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله .
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، قال : حدثنا سليم بن أخضر ، قال : حدثنا أبو يونس القُشَيري ، عن سِماك بن حرب ، عن أبي صالح مولى أمّ هانىء ، أن أمّ هانىء سُئلت عن هذه الاَية وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ فقالت : سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «كانُوا يَخْذِفُونَ أهْلَ الطّرِيقِ ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عمر بن أبي زائدة ، قال : سمعت عكرِمة يقول في قوله وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قال : كانوا يُؤْذون أهل الطريق يخذفون من مَرّ بهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن عمر بن أبي زائدة ، قال : سمعت عكرِمة قال : الخذف .
حدثنا موسى ، قال : أخبرنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قال : كان كلّ من مرّ بهم خذفوه فهو المنكر .
حدثنا الربيع ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا سعيد بن زيد ، قال : حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، قال : حدثنا سِماك بن حرب ، عن باذام ، عن أبي صالح مولى أمّ هانىء ، عن أمّ هانىء ، قالت : سألت رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عن هذه الاَية وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قال : «كانُوا يَجْلِسُونَ بالطّرِيقِ ، فَيَخْذِفُونَ أبْناءَ السّبِيلِ ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ » .
وقال بعضهم : بل كان ذلك إتيانهم الفاحشة في مجالسهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كان يأتي بعضهم بعضا في مجالسهم ، يعني قوله وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ .
حدثنا سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا ثابت بن محمد الليثيّ ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور بن المعتمر ، عن مجاهد ، في قوله وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قال : كان يجامع بعضهم بعضا في المجالس .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قال : كان يأتي بعضهم بعضا في المجالس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كانوا يجامعون الرجال في مجالسهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قال : المجالس ، والمنكَر : إتيانهم الرجال .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قال : كانوا يأتون الفاحشة في ناديهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ قال : ناديهم : المجالس ، والمنكر : عملهم الخبيث الذي كانوا يعملونه ، كانوا يعترضون بالراكب فيأخذونه ويركبونه . وقرأ أتأْتُونَ الفاحِشَةَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ ، وقرأ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أحَدٍ مِنَ العالَمِينَ .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وتَأتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنْكَرَ يقول : في مجالسكم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : وتحذفون في مجالسكم المارّة بكم ، وتسخَرون منهم لما ذكرنا من الرواية بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله : فَمَا كانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاّ أنْ قالُوا ائْتِنا بعَذَابِ اللّهِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ يقول تعالى ذكره : فلم يكن جواب قوم لُوط إذ نهاهم عما يكرهه الله من إتيان الفواحش التي حرمها الله إلا قَيلهم : ائتنا بعذاب الله الذي تعدنا ، إن كنت من الصادقين فيما تقول ، والمنجزين لما تعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.