إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل } وتتعرَّضُون للسَّابلةِ أي بالفاحشةِ ، حيثُ رُوي أنَّهم كانُوا كثيراً ما يفعلونَها بالغُرباء وقيل تقطعون سبيلَ النِّساءِ بالإعراضِ عن الحَرثِ وإتيانِ ما ليس بحرثٍ وقيل : تقطعونَ السَّبيلَ بالقتلِ وأخذِ المالِ { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ } أي تفعلون في مجلسِكم الجامعِ لأصحابكم { المنكر } كالجماعِ والضُّراطِ وحلِّ الإزارِ وغيرِها مما لا خيرَ فيه من الأفاعيل المنكرةِ . وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما هو الحَذفُ{[634]} بالحَصَى والرَّميُّ بالبنادق والفرقعةُ ومضغُ العلكِ والسِّواكِ بينَ النَّاس وحلُ الإزارِ والسِّبابُ والفُحشُ في المِزاحِ ، وقيل : السُّخريةُ بمن مرَّ بهم ، وقيل المجاهرةُ في ناديهم بذلكَ العملِ . { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } أي فما كان جواباً من جهتِهم شيءٌ من الأشياءِ إلا هذه الكلمةُ الشَّنيعةُ أي لم يصدر عنهم في هذه المرَّةِ من مرَّاتِ مواعظ لوطٍ عليه السَّلام وقد كان أوعدهم فيها بالعذابِ وأمَّا ما في سُورة الأعراف [ الآية82 ] من قولِه تعالى : { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ } [ سورة الأعراف ، الآية82 ] الآيةَ وما في سورة النَّمل من قولِه تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ آلَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ } [ سورة النمل ، الآية56 ] الآيةَ فهو الذي صَدر عنهم بعده هذه المرةُ وهي المرَّةُ الأخيرةُ من مرَّات المُقاولاتِ الجاريةِ بينهم وبينه عليه الصَّلاة والسَّلام وقد مرَّ تحقيقُه في سورةِ الأعرافِ .


[634]:الحذف: الرمي عن جانب والضرب عن جانب وحذفه بالعصا وبالسيف: ضربه أو رماه بها وأما الخذف بالخاء فإنه الرمي بالحص الصغار ويقال هم بين حاذف وقاذف. الحاذف بالعصا والقاذف بالحجر.