فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 29 ) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ( 30 ) }

{ أئنكم لتأتون الرجال } أي : تلطون بهم { وتقطعون السبيل } قيل : إنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من المسافرين ، فلما فعلوا ذلكم ترك الناس المرور بهم ، فقطعوا السبيل بهذا السبب ، قال الفراء : كانوا يعترضون الناس في الطرق بعملهم الخبيث . وقيل : كانوا يقطعون الطريق على المارة ، بقتلهم ونهبهم ، والظاهر أنهم كانوا يفعلون ما يكون سببا لقطع الطريق ، من غير تقييد بسبب خاص ، وقيل : إن معنى قطع الطريق النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال .

{ وتأتون في ناديكم المنكر } النادي والندى والمنتدى مجلس القوم ومتحدثهم ، ولا يقال للمجلس إلا ما دام فيه أهله ، واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه ، فقيل : كانوا يحذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب .

وعن أم هاني بنت أبي طالب قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية قال : " كانوا يجلسون بالطريق ، فيخذفون أبناء السبيل ، ويسخرون منهم " . أخرجه أحمد ، والترمذي وحسنه ، وقال : لا نعرفه إلا من حديث حاتم أبي صغيرة عن سماك .

وأخرج ابن مردويه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم : " نهى عن الخذف " ، وهو قول الله سبحانه { وتأتون في ناديكم المنكر } وعن ابن عمر قال : في الآية هو الخدف ، وعن ابن عباس مثله . وقيل : كانوا يتضارطون في مجالسهم قالته عائشة ، وقيل : كانوا يأتون الرجال في مجالسهم ، وبعضهم يرى بعضا ، وقيل : كانوا يلعبون بالحمام ، وقيل : كانوا يناقرون بين الديكة ويناطحون بين الكباش وقيل : يبزق بعضهم على بعض ، ويلعبون بالنرد والشطرنج ، ويلبسون المصبغات ، وكان من أخلاقهم مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء ، وحل الإزار ، والصفير ، ولا مانع من أنهم كانوا يفعلون جميع هذه المنكرات ، قال الزجاج : في هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المنكر ، وأن لا يجتمعوا على الهزء والمناهي ، ولما أنكر لوط عليهم ما كانوا يفعلون أجابوا بما حكى الله عنهم بقوله :

{ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ؛ ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين } أي : فما أجابوا بشيء إلا بهذا القول ، رجوعا منهم إلى التكذيب واللجاج والعناد ، وقد تقدم الكلام على هذه الآية ، وقد تقدم في سورة النمل { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم } وتقدم في الأعراف : { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم } وقد جمع بين هذه الثلاثة المواضع بأن لوطا كان ثابتا على الإرشاد ومكررا للنهي لهم ، والوعيد عليهم ، فقالوا له أولا ، إئتنا بعذاب الله ، كما في هذه الآية .

فلما كثر منه ذلك ولم يسكت عنهم قالوا : أخرجوهم كما في الأعراف والنمل ، وقيل : أنهم قالوا أولا أخرجوهم من قريتكم ؛ ثم قالوا ثانيا : إئتنا بعذاب الله ، ثم إن لوطا لما يئس منهم طلب النصرة عليهم من الله سبحانه .