{ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة } قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر : «أئنكم » بالاستفهام . وقرأ الباقون بلا استفهام . والفاحشة : الخصلة المتناهية في القبح ، وجملة : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين } مقرّرة لكمال قبح هذه الخصلة ، وأنهم منفردون بذلك لم يسبقهم إلى عملها أحد من الناس على اختلاف أجناسهم . ثم بيّن سبحانه هذه الفاحشة فقال : { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال } أي تلوطون بهم { وَتَقْطَعُونَ السبيل } قيل : إنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمرّ بهم من المسافرين ، فلما فعلوا ذلك ترك الناس المرور بهم ، فقطعوا السبيل بهذا السبب . قال الفراء : كانوا يعترضون الناس في الطرق بعملهم الخبيث . وقيل : كانوا يقطعون الطريق على المارّة بقتلهم ونهبهم . والظاهر أنهم كانوا يفعلون ما يكون سبباً لقطع الطريق من غير تقييد بسبب خاص ، وقيل : إن معنى قطع الطريق : قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر } النادي والنديّ والمنتدى : مجلس القوم ومتحدّثهم .
واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه : فقيل : كانوا يحذفون الناس بالحصباء ، ويستخفون بالغريب . وقيل : كانوا يتضارطون في مجالسهم ، وقيل : كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضاً ، وقيل : كانوا يلعبون بالحمام . وقيل : كانوا يخضبون أصابعهم بالحناء . وقيل : كانوا يناقرون بين الديكة ، ويناطحون بين الكباش . وقيل : يلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات ، ولا مانع من أنهم كانوا يفعلون جميع هذه المنكرات . قال الزجاج : وفي هذه إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المنكر وألا يجتمعوا على الهزؤ ، والمناهي .
ولما أنكر لوط عليهم ما كانوا يفعلونه أجابوا بما حكى الله عنهم بقوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } أي فما أجابوا بشيء إلاّ بهذا القول رجوعاً منهم إلى التكذيب واللجاج والعناد ، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية ، وقد تقدّم في سورة النمل : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءَالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ } [ النمل : 56 ] وتقدّم في سورة الأعراف : { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ } [ الأعراف : 82 ] وقد جمع بين هذه الثلاثة المواضع بأن لوطاً كان ثابتاً على الإرشاد ، ومكرّرًا للنهي لهم والوعيد عليهم ، فقالوا له أوّلاً : { ائتنا بعذاب الله } كما في هذه الآية ، فلما كثر منه ذلك ، ولم يسكت عنهم قالوا : { أخرجوهم } كما في الأعراف والنمل . وقيل : إنهم قالوا أوّلاً : { أخرجوهم من قريتكم } ثم قالوا ثانياً : { ائتنا بعذاب الله } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.