الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

قوله تعالى ذكره : { أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل } 28 إلى قوله : { لو كانوا يعلمون } 41 .

أي : تأتون الرجال في أدبارهم ، وتقطعون الطريق على المسافرين .

روي أنهم كانوا يفعلون ذلك بمن يمر بهم من المسافرين ، ومن يرد ديارهم من الغرباء قاله ابن زيد {[54466]} .

روي أنهم كانوا مع فسقهم يقطعون الطريق ويقتلون ويأخذون الأموال حتى انقطعت الطريق فلا يسلكها أحد {[54467]} .

وقوله : { وتأتون في ناديكم المنكر } روي عن عائشة أنه الفراط {[54468]} ، يعني أنهم كانوا يتفارطون في مجالسهم .

وروت أم هانئ {[54469]} أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ذكره : { وتأتون في ناديكم المنكر } قال : " كانوا يخذفون {[54470]} أهل الطريق ويسخرون منهم ، فهو المنكر الذي كانوا يأتون " {[54471]} وقاله عكرمة والسدي {[54472]} .

وقال مجاهد : المنكر هنا أنهم كانوا يجامع بعضهم بعضا في المجالس {[54473]} . وهو قول قتادة وابن زيد {[54474]} . والحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع .

ورى ذلك عن ابن شهاب {[54475]} . " إن على من عمل عمل قوم لوط الرجم أحصن أو لم يحصن {[54476]} " .

قال مالك : إذا شهد على الفاعل والمفعول به أربعة شهداء عدول رجما ، ولا يرجمان {[54477]} حتى يرى كما يرى المرود في المكحلة أحصنا أو لم يحصنا إذا كانا قد بلغا الحلم {[54478]} .

وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اقتلوا الفاعل والمفعول به " {[54479]}

وقال علي ابن أبي طالب : يحرق الفاعل والمفعول به في النار {[54480]} . وروي أن أبا بكر شاور عليا في هذا فأمر بحرقهما {[54481]} .

وفعل ابن الزبير {[54482]} مثل ذلك في أيامه {[54483]} ، وفعله هشام ابن عبد الملك {[54484]} {[54485]} ، وقيل إنما فعلوا الحرق بعد القتل {[54486]} .

وروى أبو هريرة {[54487]} أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر برجمهما {[54488]} " وأكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك " القتل لهما جميعا {[54489]} " وفي بعض الحديث : " ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه {[54490]} "

وروى أنس {[54491]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا علا الذكر الذكر اهتز العرش وقالت السماوات : يا رب مرنا أن نحصبه {[54492]} ، وقالت الأرض : يا رب مرنا نبتلعه ، فيقول : دعوه فإن مرره بي ووقوفه بين يدي {[54493]} "

ثم قال تعالى ذكره : { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا إيتنا بعذاب الله } أي : ما جاوب لوطا قومه لما نهاهم عن المنكر ، وخوفهم من عذاب الله إلا أن قالوا : جئنا بعذاب الله الذي توعدنا به إن كنت صادقا في قولك .


[54466]:انظر: جامع البيان 20/ 145، والدر المنثور 6/460
[54467]:هذه الرواية وردت في الجامع للقرطبي 13/ 341، مختصرة ومنسوبة لابن زيد
[54468]:أورده الطبري في جامع البيان 20/ 145، وتاريخ الأمم والملوك 1/151، والسيوطي في الدر المنثور 6/461، والحديث من رواية عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها.
[54469]:هي فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية القرشية المشهورة بأم هانئ، أخت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وبنت عم النبي صلى الله عليه وسلم لها أحاديث في الكتب الستة وغيرها. توفيت في خلافة معاوية. انظر: طبقات ابن سعد 8/44، والاستيعاب 4/ 1889، 4064، والإصابة 4/503، 1533، وتقريب التهذيب 2/625، 95.
[54470]:الخذف: هو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها، أو تتخذ مخذفة من خشب ترمي بها الحصاة بين إبهامك والسبابة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/16
[54471]:أخرجه أحمد في مسنده 6/ 341، والحاكم في المستدرك 2/ 409، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. انظر: الحديث أيضا في: جامع البيان 20/ 145، وتاريخ الأمم والملوك 1/152، وتفسير البغوي 5/192، والجامع للقرطبي 13/342، وتفسير ابن كثير 3/412، والدر المنثور 6/ 460
[54472]:انظر: جامع البيان 20/ 145، والدر المنثور 6/ 461، والسدي: هو إسماعيل بن عبد الرحمن ابن أبي كريمة الهاشمي السدي الكبير، أبو محمد الكوفي الأعور، أصله من الحجاز، مفسر روى عن ابن عباس وأنس وطائفة، وروى عنه الثوري والحسن بن صالح وغيرهما. توفي سنة 127 هـ انظر: النجوم الزاهرة 1/ 304، وميزان الاعتدال 1/ 236 وطبقات المفسرين 2/ 110.
[54473]:انظر: جامع البيان 20/ 146، وتاريخ الأمم والملوك 1/ 152، والكشف والبيان للثعلبي 6/ 23، وتفسير البغوي 5/192، والمحرر الوجيز 12/ 217، والجامع للقرطبي 13/342، والدر المنثور 6/ 461
[54474]:انظر: جامع البيان 20/ 146، والدر المنثور 6/ 461
[54475]:هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المدني الحافظ روى عن ابن عمرو سهل ابن سعد، وروى عنه مالك، والأوزاعي والليث. توفي سنة 124هـ انظر: صفة الصفوة 2/ 136، 178، ووفيات الأعيان 4/ 177، 563، وتذكرة الحفاظ 1/ 108، 96، وغاية النهاية 2/ 262، 3470
[54476]:أخرجه مالك في الموطأ كتاب الحدود رقم الحديث 12
[54477]:في الأصل ولا يرجما
[54478]:انظر: الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر 574. وانظر: أيضا سنن الترمذي 3/9 ونيل الأوطار مختصرا 7/288
[54479]:أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود باب في من عمل عمل قوم لوط (4462) والترمذي في سننه، باب من جاء في حد اللوطي (1481) وقال: "هذا حديث في إسناده مقال، ولا تعلم أحدا رواه عن سهيل بن أبي صالح غير عاصم بن عمر العمري، وعاصم بن عمر يضعف في الحديث من قبل حفظه، "كما أخرجه ابن ماجه في سننه، باب من عمل عمل قوم لوط (2561)
[54480]:انظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/1484، ونيل الأوطار للشوكاني 7/288
[54481]:انظر: المصدرين السابقين
[54482]:هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أبو خبيب، فارس قريش في زمانه، وأول مولود في المدينة بعد الهجرة، شهد فتح إفريقيا زمن عثمان، وبويع بالخلافة سنة 64هـ وتوفي سنة 73هـ انظر: وفيات الأعيان 3/ 71، 340، والإصابة 2/ 309، 4682، وتقريب التهذيب 4/ 415، 304
[54483]:انظر: أحكام ابن العربي 3/ 1485 ونيل الأوطار 7/288
[54484]:هو هشام بن عبد الملك بن مروان، من خلفاء الدولة الأموية في الشام ولد في دمشق، وبويع فيها بعد وفاة أخيه يزيد سنة 105هـ انظر: تاريخ الأمم والملوك للطبري 8/283، والكامل لابن الأثير 5/261، وتاريخح ابن خلدون 3/106، 129
[54485]:انظر: أحكام ابن العربي 3/ 1485، ونيل الأوطار 7/288.
[54486]:قاله ابن وهب، محتجا بأن النار لا يعذب بها إلا الله تعالى. انظر: أحكام ابن العربي 3/1484.
[54487]:هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، راوية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وغيرهم، وروى عنه ابن المسيب وعكرمة وعروة وعطاء. توفي سنة 58هـ انظر: طبقات ابن سعد 2/ 62، وصفة الصفوة 1/ 685، 97، وتذكرة الحفاظ1/ 32، 16 والإصابة 4، 403، 5140
[54488]:أخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الحدود 2562، وفيما يلي نص الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يعمل عمل قوم لوط قال: "ارجموا الأعلى والأسفل ارجموهما جميعا"
[54489]:انظر سنن ابن ماجه كتاب الحدود 2561
[54490]:الحديث من رواية ابن عباس، أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الحدود 2564، وأحمد في مسنده 1/ 300، والحاكم في مستدركه 4/ 356، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وفيما يلي نص الحديث: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة"
[54491]:هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري. خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه وعن الخلفاء الأربعة، وروى عنه قتادة والزهري وابن سيرين. توفي سنة 93هـ انظر: طبقات ابن سعد 7/ 17، 93 وصفة الصفوة 1/710، 104 والإصابة 1/31، 277، وتهذيب التهذيب 1/ 376، 690، وتقريب التهذيب 1/84، 644
[54492]:جاء في اللسان مادة "حصب" 1/ 319، و"الحصب": رميك بالحصباء حصبه يحصبه حصبا: رماه بالحصباء.. وتحاصبوا : تراموا بالحصباء. وحصبته أحصبه: رميته بالحصباء.
[54493]:أورده الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، ص204، 12، وقال: "هو موضوع".