معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

قوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة } أي : نفس مثقلة بذنوبها غيرها ، { إلى حملها } أي : حمل ما عليها من الذنوب ، { لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى } أي : ولو كان المدعو ذا قرابة له ابنه أو أباه أو أمه أو أخاه . قال ابن عباس : يلقى الأب والأم ابنه فيقول : يا بني احمل عني بعض ذنوبي ، فيقول : لا أستطيع حسبي ما علي . { إنما تنذر الذين يخشون } يخافون ، { ربهم بالغيب } ولم يروه . وقال الأخفش : تأويله أي : إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم بالغيب ، { وأقاموا الصلاة ومن تزكى } أصلح وعمل خيراً ، { فإنما يتزكى لنفسه } لها ثوابه . { وإلى الله المصير* }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

وقوله : وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى يقول تعالى ذكره : ولا تحملْ آثمة إثم أخرى غيرها وَإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى يقول تعالى : وإن تسألْ ذاتُ ثِقْل من الذنوب مَنْ يحمل عنها ذنوبها ، وتطلب ذلك لم تجد من يحمل عنها شيئا منها ، ولو كان الذي سألته ذا قرابة من أب أو أخ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزر أُخْرَى وَإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى يقول : يكون عليه وزر لا يجد أحدا يحمل عنه من وزره شيئا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَإنْ تَدعُ مُثْقَلةٌ إلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ كنحو : لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وَزْرَ أُخْرَى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنْ تَدْع مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِها إلى ذنوبها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى : أي قريب القرابة منها ، لا يحمل من ذنوبها شيئا ، ولا تحمل على غيرها من ذنوبها شيئاوَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ونصب ذا قربى على تمام «كان » لأن معنى الكلام : ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها وأنثت «مثقلة » ، لأنه ذهب بالكلام إلى النفس ، كأنه قيل : وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلى حمل ذنوبها . وإنما قيل كذلك لأن النفس تؤدّي عن الذكر والأنثى ، كما قيل : كُلّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ يعني بذلك : كلّ ذكر وأنثى .

وقوله : إنّمَا تُنْذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بالغَيْبِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إنما تنذر يا محمد الذين يخافون عقاب الله يوم القيامة من غير معاينة منهم لذلك ، ولكن لإيمانهم بما أتيتهم به ، وتصديقهم لك فيما أنبأتهم عن الله فهؤلاء الذين ينفعهم إنذارك ، ويتعظون بمواعظك ، لا الذين طَبَع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّمَا تُنْذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بالغَيْبِ : أي يخشون النار .

وقوله : وأقامُوا الصّلاةَ يقول : وأَدّوْا الصلاة المفروضة بحدودها على ما فرضها الله عليهم . وقوله : وَمَنْ تَزَكّى فإنّمَا يتَزَكّى لِنَفْسِهِ يقول تعالى ذكره : ومن يتطهّر من دنس الكفر والذنوب بالتوبة إلى الله ، والإيمان به ، والعمل بطاعته ، فإنما يتطهّر لنفسه ، وذلك أنه يثيبها به رضا الله ، والفوز بجنانه ، والنجاة من عقابه ، الذي أعدّه لأهل الكفر به ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمَنْ تَزَكّى فإنّمَا يَتَزَكّى لِنَفْسِهِ : أي من يعملْ صالحا فإنما يعمله لنفسه .

وقوله : وَإلى اللّهِ المَصِيرُ يقول : وإلى الله مصير كلّ عامل منكم أيها الناس ، مؤمنكم وكافركم ، وبرّكم وفاجركم ، وهو مجاز جميعكم بما قدّم من خير أو شرّ على ما أهل منه .