اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

قوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } أي نَفْسٌ وازة بحذف الموصوف للعمل به{[45199]} . ومعنى «تَزِرُ » تحمل ، أي لا تحمل نَفْسٌ حاملةٌ حِمْلَ نَفْسٍ أخرى .

قوله : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } أي نفس مثقلة{[45200]} بالذنوب نفساً إلى حملها فحذف المفعول به للعلم{[45201]} به . والعامة «لا يُحْمَلُ » مبنياَ للمفعول و «شَيْءٌ » قائم مقام الفاعل ، وأبو السَّمَّال وطلحةُ- وتُرْوى عن الكسائي - بفتح التاء من فوق وكسر{[45202]} الميم : أسند الفعل إلى ضمر النفس المحذوفة التي هي مفعولة «لِتَدْعُ » أي لا تَحْمِلُ تلك النفسُ الدَّعْوَة ( و ) شيئاً مفعول «بلاَ تَحْمِلْ »{[45203]} .

قوله : { وَلَوْ كَانَ ذَا قربى } أي ولو كان المَدْعو ذَا قُرْبَى{[45204]} ، وقيل التقدير ولو كان الدَّاعِي ذَا قربى{[45205]} ، والمعنيان حَسَنَان ، وقرئ : «ذُو » بالرفع على أنها التامة أي ولو حَضَرَ ذُو قُربى نحوك قَدْ كان من مَطَرْ{[45206]} ، { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } [ البقرة : 280 ] قال الزمخشري : ونظم الكلام أحسن ملاءمةً للنَّاقِصَةِ لأن المعنى على أن المثقلة إذا دعت أحداً إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان مَدْعُوهَا ذا قربى وهو ملتئم ولو قلت : ولو وُجِدَ ذو قربى لخرج عن التئامه{[45207]} ، قال أبو حيان : وهو ملتئم على المعنى الذي ذكرناه{[45208]} قال شهاب الدين : والذي قال هو ولو حضر إذْ ذاكَ ذُو قربى{[45209]} ثم قال : وتفسيره «كان » وهو مبني للفاعل ب «وُجِدَ » وهو مبني للمفعول تفسير معنى والذي يفسر النَّحْويُّ به كان التامة نحو : حَدَثَ وحَضَرَ ووَقَعَ{[45210]} .

فصل

المعنى وإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ بذنوبها غيرَها إلى حِمْلها أي يَحَمِلُ ما عليه من الذنوب لا يُحْمَل منْه شَيْءٌ ولو كان المَدْعو ذا قَرَابة له ابنَة أو أبَاه أو أمَّة أو أَخَاه . قال ابن عباس : يَلْقَى الأبُ أو الأمُّ ابنه فيقول يا بني احْمِلْ عني بَعْضَ ذُونُوبي فيقول لا أستطيع حَسْبِي ما عَلَيَّ{[45211]} .

قوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب } ولم يروه . قال الأخفش : تأويله إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم بالغيب{[45212]} .

قوله : «بالغيب » حال من الفاعل أي يَخْشَوْنَه غائبين عنه . أو من المفعول أي غائباً عنهم{[45213]} وقوله : { الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَيقيمُون الصلاة } في المعنى{[45214]} .

قوله : { وَمَن تزكى } قرأ العامة «تَزَكَّى » تَفَعَّلَ «فَإنما يَتَزَكَّى » يتفعل . وعن أبي عمرو «ومَنْ يَزَّكَّى فَإنَّما يَزَّكَّى » والأصل فيهما يَتَزَكَّى فأدغمت التاء في الزاي كما أدغمت في الدال نحو «يَذَّكَّرُونَ » في «يتَذَكَّرُونَ »{[45215]} وابن مسعود وطلحة : «وَمَن ازَّكَّى » والأصل{[45216]} تَزَكَّى فأُدغِمَ ( باجْتلابِ همزة{[45217]} الوصل «فَإنَّمَا يَزَّكَّى » أصله «يَتَزكَّى فأُدْغِمَ » كأبي عمرو في غير المشهور عنه .

فصل

معنى «ومَنْ تزكَّى » صلى وعمل خيراً «فإنَّما يَتَزكَّى لِنَفْسِهِ » لها ثوابه{[45218]} «وَإلَى اللَّهِ المَصِيرُ » أي التزكي إن لم تظهر فائدته عاجلاً فالمصيرُ إلى الله يظهر عنده يوم القيامة في دار البقاء . والوازرُ إنْ لم تظهر تبعةُ وِزْرِهِ في الدنيا فهي تظهر في الآخرة إذ المصيرُ إلى الله . ثم لما بين الهدى والضلالة ولم يهتد الكافر وهدى الله المؤمن ضرب له مثلاً بالبصير والأعمى فالمؤمن بصير حيث أبصر الطريق الواضح والكافر أعْمَى{[45219]} .


[45199]:البحر 7/307 والدر المصون 4/472 .
[45200]:المرجعان السابقان .
[45201]:الدر المصون 4/472 .
[45202]:المرجعان السابقان .
[45203]:وقد قال الأخفش في المعاني: وقال: ((وإن تدع مثقلة إلى حملها)) فكأنه قال: ((وإن تدع إنسانا لا يحمل من ثقلها شيئا ولو كان ذا قربى)) فأقر بحذف مفعول ((تدع)) وانظر المعاني له 2/664 و 665 ، والجامع 14/338 وإعراب القرآن 4/368 .
[45204]:هذا رأي الأخفش في المعاني السابق ، وانظر: إعراب القرآن 3/368 والبيان 1074 والكشاف 3/305 .
[45205]:هذا رأي ابن عطية نقله عنه العلامة أبو حيان في بحره 7/308 .
[45206]:وجد في البحر: ((وقالت العرب: قد كان لبن أي حضر وحدث)) والشاهد في هذا المثال الوارد عن العرب استعمال كان تامة بمعنى حضر وحدث و ((مطر)) فاعل به ((بوجد)).
[45207]:مع تغيير طفيف في بعض الكلم وانظر: الكشاف 3/305 .
[45208]:البحر 7/308 .
[45209]:يقصد شيخه أبا حيان وهذه مقولته في البحر انظر المرجع السابق .
[45210]:السابق .
[45211]:معالم التنزيل 5/300 .
[45212]:السابق .
[45213]:قال الزمخشري في كشافه 3/305 والبحر المحيط 7/308 ، والدر المصون 4/473 ((بالغيب)) غائبين ((ويخشون العذاب)) غائبا عنهم .
[45214]:أي في ذلك المعنى المشار إليه . وانظر: الفخر الرازي 26/15 .
[45215]:لم أجدها في المتواتر عن أبي عمرو أحد القراء السبعة فهي في ابن خالويه 123 والبحر 7/308 وهي من الشواذ .
[45216]:ذكرها الكشاف بدون نسبة إلى من قرأ بها انظر: الكشاف 3/306 وفي مختصر الإمام ابن خالويه 123 ((ومن أزكى: ابن مسعود ولكن صاحب الشواذ عزاها لابن مصرف)). انظر: الشواذ 200 .
[45217]:ما بين القوسين كله ساقط من ((ب)) .
[45218]:نقله البغوي في معالم التنزيل 5/300 .
[45219]:قاله الإمام الفخر في تفسيره 26/15 و 16 .