الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

ثم قال تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } أي : لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى ، يعني من الذنوب والآثام .

روي أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي ، قال لمن أسلم من بني مخزوم{[56163]} : ارجعوا إلى دينكم القديم وأنا أحمل عنكم أوزاركم{[56164]} . وفيه نزلت : { أم لم ينبأ بما في صحف موسى ، وإبراهيم الذي وفى ، ألا تزر وازرة وزر أخرى }{[56165]} .

ثم هذا كله عام في كل من ادعى أن يحمل ذنب غيره لا يجوز له شيء من ذلك ولا ينتفع به المحمول عنه .

ثم قال : { وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء } أي : إن تدع نفس مثقلة بالأوزار والذنوب إلى أن يحمل غيرها عنها من ذلك شيئا ، لا يحمل أحد عنها من ذلك شيئا ، ولو كان المدعو ذا قرابة من الداعي .

قال ابن عباس : لا يؤخذ أحد بذنب أحد .

قال عكرمة : بلغني أن اليهودي والنصراني يرى الرجل يوم القيامة فيقول : [ " ألم أكن قد أسديت إليك يدا ؟ " ]{[56166]} ، ألم أكن قد احسنت إليك ؟ فيقول : بلى ، فيقول : انفعني ، فلا يزال المسلم حتى ينقص من عذابه ، وإن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول : ألم أكن بك بارا وعليك مشفقا وإليك محسنا ؟ وأنت ترى ما أنا فيه ، فهب لي حسنة من حسناتك أو تحمل عني سيئة ، فيقول : إن الذي سألتني ليسير ولكني أخاف مثل ما تخاف ، وإن الأب ليقول لابنه مثل ذلك ، فيرد عليه نحو من هذا وإن الرجل ليقول لزوجته : ألم أكن حسن العشرة لك ؟ فتحملي عني خطيئة لعلي ألحق ، فتقول : إن ذلك ليسير ولكني أخاف مما تخاف منه ، ثم تلا عكرمة : { وإن تدع مثقلة إلى حملها } الآية{[56167]} وهذا القول أيضا هو قول مجاهد وقتادة{[56168]} .

ثم قال تعالى : { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } أي : إنما تنذر يا محمد الذين يخافون/ عقاب الله يوم القيامة من غير معاينة منهم لذلك لكن آمنوا بما جئتهم به من الخير بذلك عن الله وصدقوا به .

قال قتادة : معناه يخشون النار والحساب{[56169]} وإنما خص هؤلاء بالإنذار وإن كان صلى الله عليه وسلم نذيرا لجميع الخلق لأنهم هم الذين ينتفعون بذلك .

ثم قال تعالى : { وأقاموا الصلاة } أي : أدوا فروضها في أوقاتها بحدودها .

ثم قال : { ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه } أي : ومن تطهر من دنس الكفر والمعاصي بالتوبة إلى الله ، فإنما يتطهر لنفسه ، أي على نفسه يعود نفع تزكيته لأنه يكسبها رضى الله جل ذكره والفوز بالنجاة من النار ، والحلول بالجنة .

قال قتادة : ومن يعمل صالحا فإنما يعمل لنفسه{[56170]} فهو مثل قوله : { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها }{[56171]} .

ثم قال : { وإلى الله المصير } أي : رجوع كل عامل عملا إلى الله تعالى فيجازيه عليه .


[56163]:انظر: المحرر الوجيز 13/165
[56164]:بنو مخزوم بطن من لؤي بن غالب من قريش. منهم خالد بن الوليد رضي الله عنه وسعيد بن المسيب التابعي المشهور. ومنهم أبو جهل عدو رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر: نهاية الأرب 416 ومعجم قبائل العرب 3/1058
[56165]:النجم: الآيات 35ـ37
[56166]:في الأصل: "ألم يكن قد أردت إليك يدا" وما أثبت في النص هو ما ورد في مظانه المشار إليها في الهامش.
[56167]:انظر: إعراب النحاس 3/369 والجامع للقرطبي 14/338
[56168]:انظر: الدر المنثور 7/17
[56169]:انظر: جامع البيان 22/128، والدر المنثور 7/17
[56170]:انظر: جامع البيان 22/128، والدر المنثور 7/17
[56171]:فصلت: آية 45