قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } . اختلفوا في أولي الأمر ، قال ابن عباس وجابر رضي الله عنهم : هم الفقهاء والعلماء الذي يعلمون الناس معالم دينهم ، وهو قول الحسن ، والضحاك ، ومجاهد . ودليله قوله تعالى : { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } [ النساء :83 ] . وقال أبو هريرة : هم الأمراء والولاة ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ، ويؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك فحق علي الرعية أن يسمعوا ، ويطيعوا .
أخبرنا أبو علي حسان بن سعد المنيعي ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر عن همام بن منبه ، أنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني ) .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أنا محمد ابن إسماعيل ، أنا مسدد ، أنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله ، حدثني نافع ، عن عبد الله رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) .
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن محمد الراودي ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد ، أخبرني عبادة بن الوليد ابن عبادة أن أباه أخبره عن عبادة بن الصامت قال : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أمرة علينا ، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم . أخبرنا أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبيد الله بن أحمد القفال ، أنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجردي ، أنا أبو بكر بن محمد بن همدان الصيرفي ، أنا محمد بن يوسف الكديمي ، قال : أخبرنا أبو داود الطيالسي ، عن شعبة عن أبي التياح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر : ( اسمع وأطع ولو لعبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) .
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أنا أبو محمد بعد الجبار بن محمد الجراحي ، أنا أبو العباس ، أنا محمد بن أحمد المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي ، أنا موسى بن عبد الرحمن الكندي ، أنا زيد بن الحباب ، أنا معاوية ابن صالح ، حدثني سليم بن عامر قال : سمعت أبا أمامة رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال : ( اتقوا الله ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم ) .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا صدقة بن الفضل ، أنا حجاج ابن محمد ، عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) . قال : نزلت في عبيد الله ابن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية . وقال عكرمة : أراد بأولي الأمر ، أبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما .
حدثنا أبو المظفر محمد بن أحمد التهمي ، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان ابن القاسم ، أخبرنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، أنا عمرو بن أبي غرزة بالكوفة ، أخبرنا ثابت بن موسى العابد ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ) .
وقال عطاء : هم المهاجرون ، والأنصار ، والتابعون لهم بإحسان بدليل قوله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) الآية .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا أبو طاهر محمد بن أحمد ابن الحارث ، أنا محمد بن يعقوب الكسائي قال : أخبرنا عبد الله بن محمود ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أنا عبد الله بن المبارك ، عن إسماعيل المكي ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام ، لا يصلح الطعام إلا بالملح ) .
قال الحسن : قد ذهب ملحناً فكيف نصلح .
قوله تعالى : { فإن تنازعتم } . أي : اختلفتم .
قوله تعالى : { في شيء } من أمر دينكم ، والتنازع اختلاف الآراء ، وأصله من النزاع فكأن المتنازعين يتجاذبان ويتمانعان .
قوله تعالى : { فردوه إلى الله والرسول } . أي : إلى كتاب الله وإلى رسوله مادام حيا ، وبعد وفاته إلى سنته ، والرد إلى الكتاب والسنة واجب إن وجد فيهما ، فإن لم يوجد فسبيله الاجتهاد ، وقيل : الرد إلى الله تعالى والرسول أن يقول لما لا يعلم : الله ورسوله أعلم .
قوله تعالى : { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك } ، أي : الرد إلى الله والرسول .
{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، وأطيعوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة ، وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أطاعَنِي فَقَدْ أطاعَ اللّهَ وَمَنْ أطاعَ أمِيري فَقَدْ أطاعَنِي ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللّهَ وَمَنْ عَصَا أمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي » .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ } فقال بعضهم : ذلك أمر من الله باتباع سنّته . ذكر من قال ذلك :
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ } قال : طاعة الرسول : اتّباع سنته .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن عبد الملك ، عن عطاء : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ } قال : طاعة الرسول : اتباع الكتاب والسنة .
وحدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، مثله .
وقال آخرون : ذلك أمر من الله بطاعة الرسول في حياته . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ } إن كان حيّا .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : هو أمر من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمر ونهى ، وبعد وفاته في اتباع سنته¹ وذلك أن الله عمّ بالأمر بطاعته ولم يخصص ذلك في حال دون حال ، فهو على العموم حتى يخصّ ذلك ما يجب التسليم له .
واختلف أهل التأويل في أولي الأمر الذين أمر الله عباده بطاعتهم في هذه الاَية ، فقال بعضهم هم الأمراء . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة في قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولى الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : هم الأمراء .
حدثنا الحسن بن الصباح البزار ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه قال : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } ، نزلت في رجل بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم على سرية .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبيد الله بن مسلم بن هرمز ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن هذه الاَية نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي إذ بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم في السرية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، قال : سأل مسلمة ميمون بن مهران ، عن قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولى الأمْره مِنْكُمْ } قال : أصحاب السرايا على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْر مِنْكُمْ } قال : قال أبي : هم السلاطين . قال : وقال ابن زيد في قوله : { وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } قال أبي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الطّاعَة الطّاعة ! وفي الطّاعَةِ بلاءٌ » . وقال : «ولو شَاء اللّه لَجَعَلَ الأَمْرَ في الأنْبِيَاءِ » ، يعني : لقد جعل إليهم والأنبياء معهم ، ألا ترى حين حكموا في قتل يحيى بن زكريا ؟ .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، حدثنا أسباط ، عن السديّ : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولى الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها خالد ابن الوليد ، وفيها عمار بن ياسر ، فساروا قَبِلَ القوم الذين يريدون ، فلما بلغوا قريبا منهم عَرّسوا ، وأتاهم ذو العيينتين ، فأخبرهم فأصبحوا وقد هربوا غير رجل أمر أهله ، فجمعوا متاعهم . ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل ، حتى أتى عسكر خالد ، فسأل عن عمار بن ياسر فأتاه ، فقال : يا أبا اليقظان ، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا ، وإني بقيت فهل إسلامي نافعي غدا وإلا هربت ؟ قال عمار : بل هو ينفعك ، فأقم ! فأقام . فلما أصبحوا أغار خالد ، فلم يجد أحدا غير الرجل ، فأخذه وأخذ ماله ، فبلغ عمارا الخبر ، فأتى خالدا فقال : خلّ عن الرجل فإنه قد أسلم ، وهو في أمان مني ! فقال خالد : وفيم أنت تجير ؟ فاستّبا وارتفعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأحاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير . فاستّبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال خالد : يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يسبني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا خالِدُ لا تَسُبّ عَمّارا ، فإنّهُ مَنْ سَبّ عَمّارا سَبّهُ اللّهُ ، وَمَنْ أبْغَضَ عَمّارا أبْغَضَهُ اللّهُ ، وَمَنْ لَعَنَ عَمّارا لَعَنَهُ اللّهُ » . فغضب عمار ، فقام فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه ، فرضي عنه ، فأنزل الله تعالى قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولى الأمْرِ مِنْكُمْ } .
وقال آخرون : هم أهل العلم والفقه . ذكر من قال ذلك :
حدثني سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن عليّ بن صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله . . . قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولى الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : أولي الفقه منكم .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا ليث ، عن مجاهد ، في قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْر مِنْكُمْ } قال : أولي الفقه والعلم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح : { وأُولي الأمْر مِنْكُمْ } قال : أولي الفقه في الدين والعقل .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } يعني : أهل الفقه والدين .
حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن مجاهد : { وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : أهل العلم .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء بن السائب في قوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : أولي العلم والفقه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء : { وأُولي الأمْر مِنْكُمْ } قال : الفقهاء والعلماء .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : { وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : هم العلماء .
قال : وأخبرنا عبد الرزاق ، عن الثّوْرِيّ ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : { وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : هم أهل الفقه والعلم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : { وأولي الأمْر مِنْكُمْ } قال : هم أهل العلم ، ألا ترى أنه يقول : { وَلَوْ رَدّوهُ إلى الرّسُولِ وَإلى أُولِي الأمْر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَسْتَنْبطُونَهُ مِنْهُمْ } ؟ .
وقال آخرون : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { { أطِيعُوا اللّهَ وأطيعُوا الرّسُولَ وَأُولي الأمْر مِنْكُمْ } قال : كان مجاهد يقول : أصحاب محمد . قال : وربما قال : أولي الفضل والفقه ودين الله .
وقال آخرون : هم أبو بكر وعمر رضي الله عنه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن عمرو البصري ، قال : حدثنا حفص بن عمر العدني ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : أبو بكر وعمر .
وأوْلَي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هم الأمراء والولاة ، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعة وللمسلمين مصلحة . كالذي :
حدثني عليّ بن مسلم الطوسي قال : حدثنا ابن أبي فديك ، قال : ثني عبد الله بن محمد بن عروة ، عن هشام بن عروة ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «سيَليكُمْ بَعْدِي وُلاةٌ ، فَيَلِيكُمْ البَرّ بِبرّة والفَاجِرِ بِفُجُوره ، فاسمَعُوا لَهُمْ وأطِيعُوا فِي كلّ ما وَافَقَ الحَقّ ، وَصَلّوا وَرَاءَهُمْ فإنْ أحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ ، وَإنْ أساءوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى عن عبيد الله ، قال : أخبرني نافع ، عن عبد الله ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «على المَرْء المُسْلِم الطّاعَةُ فِيما أحَبّ وكَرهَ ، إلاّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصَيَةٍ فَمَنْ أُمرَ بِمَعْصِيَةِ فَلا طاعَةَ » .
حدثني ابن المثنى ، قال : ثني خالد عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
فإذا كان معلوما أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل ، وكان الله قد أمر بقوله : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِعُوا الرّسُولَ وأولي مِنْكُمْ } بطاعة ذوي أمرنا ، كان معلوما أن الذين أمر بطاعتهم تعالى ذكره من ذوي أمرنا هم الأئمة ومن ولاّه المسلمون دون غيرهم من الناس ، وإن كان فرضا القبول من كل من أمر بترك معصية الله ، ودعا إلى طاعة الله ، وأنه لا طاعة تجب لأحد فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجة وجوبه إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعية ، فإنّ على من أمروه بذلك طاعتهم ، وكذلك في كل ما لم يكن لله معصية . وإذ كان ذلك كذلك كان معلوما بذلك صحة ما اخترنا من التأويل دون غيره .
القول في تأويل قوله تعالى : { فإنْ تَنازَعْتمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إلى اللّهِ وَالرّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَاليَوْم الاَخِرِ } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : فإن اختلفتم يها المؤمنون في شيء من أمر دينكم أنتم فيما بينكم أو أنتم وولاة أمركم فاشتجرتم فيه ، { فَردّوهُ إلَى اللّه } يعني بذلك : فارتادوا معرفة حكم الذي اشتجرتم أنتم بينكم أو انتم وأولو أمركم من عند الله ، يعني بذلك : من كتاب الله ، فاتبعوا ما وجدتم . وأما قوله : { وَالرّسولِ فإنه يقول : فإن تجدوا إلى علم ذلك في كتاب الله سبيلاً ، فارتادوا معرفة ذلك أيضا من عند الرسول إن كان حيّا وإن كان ميتا ، فمن سنته : { إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَاليَوْم الاَخِر } يقول : افعلوا ذلك إن كنتم تصدّقون بالله واليوم الاَخر . يعني : بالمعاد الذي فيه الثواب والعقاب ، فإنكم إن فعلتم ما أمرتم به من ذلك فلكم من الله الجزيل من الثواب ، وإن لم تفعلوا ذلك فلكم الأليم من العقاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا ليث عن مجاهد ، في قوله : { فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُوهُ إلى اللّهِ وَالرّسُولِ } قال : فإن تنازع العلماء ردّوه إلى الله والرسول . قال : يقول : فردّوه إلى كتاب الله وسنة رسوله . ثم قرأ مجاهد هذه الاَية : { وَلَوْ رَدّوه إلى الرّسولِ وإلَى أُولي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَه الّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَه مِنْهُمْ } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : { فَرُدّوهُ إلى الله وَالرّسُول } قال : كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : { فَرُدّوهُ إلى الله وَالرّسُولِ } قال : إلى الله إلى كتابه ، وإلى الرسول : إلى سنة نبيه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، قال : سأل مسلمة ميمون بن مهران عن قوله : { فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوه إلى الله والرّسُول } قال : «الله » : كتابه و«رسوله » : سنته . فكأنما ألقمه حجرا .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : أخبرنا جعفر بن مروان ، عن ميمون بن مهران : { فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إلى اللّهِ وَالرّسُولِ } قال : الردّ إلى الله : الردّ إلى كتابه ، والردّ إلى رسوله إن كان حيّا ، فإن قبضه الله إليه فالردّ إلى السنة .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إلى اللّهِ والرّسُولِ } يقول : ردّوه إلى كتاب الله وسنة رسوله { إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ } .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إلى اللّهِ وَالرّسُولِ } إن كان الرسول حيّا ، و{ إلَى الله } قال : إلى كتابه .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيلاً } .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { ذَلِكَ } فردّ ما تنازعتم فيه من شيء إلى الله والرسول ، خير لكم عند الله في معادكم ، وأصلح لكم في دنياكم ، لأن ذلك يدعوكم إلى الألفة ، وترك التنازع والفرقة . { وأحْسَنُ تَأْويلاً } يعني : وأحمدُ موئلاً ومغبة ، وأجمل عاقبة . وقد بينا فيما مضى أن التأويل : التفعيل من تأوّل ، وأن قول القائل تأوّل : تفعّل ، من قولهم آل هذا الأمر إلى كذا : أي رجع¹ بما أغنى عن إعادته .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وأحْسَنُ تَأْوِيلاً } قال : حسن جزاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيلاً } يقول : ذلك أحسن ثوابا وخير عاقبه .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وأحْسَنُ تَأُويلاً } قال : عاقبة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْويلاً } قال : وأحسن عاقبة . قال : والتأويل : التصديق .