الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا} (59)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } .

اختلفوا فيهم ، فقال عكرمة : أولي الأمر منكم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، ويدلّ عليه ما روى مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر إن لي وزيرين في السماء ووزيرين في الأرض أما في السماء جبرئيل وميكائيل ، وفي الأرض أبو بكر وعمر " وهما عندي بمنزلة الرأس من الجسد ومثلهما في الدنيا بالرأفة فمثل أبي بكر كمثل ابراهيم وعيسى ، قال إبراهيم :

{ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [ إبراهيم : 36 ] .

وقال عيسى :

{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } [ المائدة : 118 ] الآية .

ومثل عمر كمثل موسى ونوح قال موسى :

{ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ } [ يونس : 88 ] .

وقال نوح :

{ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] .

وقال أبو بكر [ الورّاق ] : هُم الخلفاء الراشدون : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ( عليهم السلام ) ، ويدلّ عليه ما روى [ هشيم ] عن ابن بشير عن أبي [ الزبير عن ] جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخلافة بعدي في أُمتي في أربع في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي " .

وروي سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ، جاء أبو بكر بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بحجر فوضعه ، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه فقال : هؤلاء ولاة الأمر من بعدي " .

عطاء : هم المهاجرون والأنصار والتابعون بالإحسان ، دليل قوله تعالى :

{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ } [ التوبة : 100 ] الآية .

بكر بن عبد الله المزني : هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلّ عليه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم " .

وعن الحسن : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مثل أصحابي في الناس مثل الملح في الطعام فلما ذهب فسد الطعام " .

جابر بن عبد الله والحسن والضحاك ومجاهد والمبارك بن فضالة واسماعيل بن أبي خالد : هم الفقهاء والعلماء أهل الدين والفضل الذين يعلّمون الناس معالم دينهم ويأمرونكم بالمعروف وينهونكم عن المنكر ، وأوجب الله طاعتهم على العباد .

هذه رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو دليل هذا التأويل .

قوله تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ } الآية .

فقال أبو الاسود الدؤلي : ليس شيء أعزّ من العلم الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك .

إبن كيسان : أُولو العقل والرأي الذين [ يهتمّون ] بامور الناس .

قال ابن عباس : أساس الدين بني على العقل وفرضت الفرائض على العقل ، وربُّنا يُعرف بالعقل ويتوسل إليه بالعقل ، والعاقل أقرب إلى ربه من جميع المجتهدين بغير عقل ، ولمثقال ذرّة من [ بر ] العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف عام .

وعن إسماعيل بن عبد الملك قال : قال : [ الثوري ] أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء : إذا رأيت عاقلاً فكن له خادماً .

ميمون بن مهران ومقاتل والسدي [ والشعبي ] : أمراء السرايا .

[ سعيد بن جبير ]عن ابن عباس قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سرية إلى حي من أحياء العرب وكان معه عمار بن ياسر فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عرّس لكي ينصحهم فأتاهم ( النذير ) وهربوا غير رجل كان قد أسلم فأمر أصحابه تهيّأوا للمسير فثم انطلق حتى اتى عسكر خالد فدخل على عمار فقال : يا أبا اليقظان إني مسلم وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا وأقمت كلامي ونافعي ذلك أو أهرب كما هرب قومي .

فقال : أقم فإنّ ذلك نافعك ، فانصرف الرجل إلى أهله وأمرهم بالمقام ، فاصبح خالد وقام على القوم فلم يجد غير ذلك الرجل فأخذه وأخذ ماله فأتاه عمار فقال : خلِّ سبيل الرجل فإنه مسلم وقد كنت آمنته وأمرته بالمقام .

فقال خالد : إنك تجير عليَّ وأنا الأمير ، فقال : نعم . أجير عليك وأنا الأمير ، وكان في ذلك منهما كلام ، فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبر الرجل فآمنه النبي صلى الله عليه وسلم وأجاز أمان عمار ونهاه بعد ذلك على أمير بغير إذنه .

قال : فاستبّ عمار وخالد أمام النبي صلى الله عليه وسلم فأغلظ عمار لخالد وغضب خالد وقال : يا رسول الله اتدع هذا العبد يسبني فوالله لولا أنت ما سبّني عمار .

وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا خالد كف عن عمار فإنه من يسبّ عماراً يسبّه الله ومن يبغض عماراً يبغضه الله " ، فقام عمار وتبعه خالد فأخذ بثوبه وسأله أن يرضى عنه فرضي عنه " .

وأنزل الله هذه الآية وأمر بطاعة أولي الأمر .

وقال أبو هريرة وابن زيد : هم الأمراء والسلاطين لما أُمروا بأداء الأمانة في الرعيّة ، لقوله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [ أمرت الرعية ] بحسن الطاعة لهم .

وقال عليّ كرم الله وجهه : " حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك حق على الرعية أن يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوا إذا دعوا " .

قال الشافعي ( رضي الله عنه ) : إن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف أمارة وكانت تأنف أن يعطي بعضها بعضاً طاعة الأمارة ، فلما دانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعة لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُمروا أن يطيعوا أولي الأمر .

وقال عكرمة : أمهات الأولاد أحرار بالقرآن .

قيل له : أي القرآن قال : اعتقهن عمر بن الخطاب . ألم تسمع قول الله تعالى { وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } وأن عمر من أولي الأمر وأنه قال : اعتقها ولدها وإن كان سقطاً .

عبد الرحمن بن الاعرج وهمام بن منبه وأبو صالح كلهم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني " .

وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بني اسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء فإذا مات نبي قام نبي وانه ليس بعدي نبي " .

فقال رجل : فما يكون بعدك ؟ قال يكون خلفاء [ ويكثر ] .

قالوا : وكيف نصنع ؟ قال : " [ أدوا ] بيعة الأول فالأول ، وأدّوا إليهم مالهم فإن الله سائلهم عن الذي لكم " .

علقمة بن وائل عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله : " أرايت إن كان علينا أُمراء يمنعوننا حقّنا ويسألوننا حقّهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إسمعوا وأطيعوا فإنّ عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمّلتم " " .

وعن أبي إمامة قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : في حجة الوداع : " وهو على [ الجدعاء ] يعني ناقته فدعا في الركاب يتطاول " .

قال : ليسمع الناس فقال : ألا تسمعون ؟ يطول بها صوته فقال قائل من طوائف الناس : ما تعهد إلينا يا رسول الله ؟ فقال : " إعبدوا ربكم وصلّوا خَمْسكم وصوموا شهركم وأدّوا زكاة أموالكم وأطيعوا أُولي الأمر تدخلوا جنة ربكم " .

مكحول عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ أطع كل أمير وصل خلف كل إمام ولا تسبّنّ أحداً من أصحابي " .

هشام عن أبي صالح عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببرّه والفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كلّ ما وافق الحقّ وصلّوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم " .

{ فَإِن تَنَازَعْتُمْ } اختلفتم { فِي شَيْءٍ } من أمر دينكم اختلاف الآراء فيتعاطى كلّ واحد مايرى خلاف رأي صاحبه وأصله من النزع كان المتنازعين يتحازبان ويتحالفان ، ومنه قال : مناوأة : منازعة .

قال الأعشى :

نازعتم قضب الريحان متكئاً *** وقهوة مرّة راووقها خضل

{ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ } يعني إلى كتاب الله والرسول مادام حيّاً ، فإذا مات فإلى سنّته ، وقوله : { ذلِكَ خَيْرٌ } أي ذلك الردّ خير لكم { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } جزاء وعاقبة ، والتأويل ما يؤول للأمر .

أبو المليح الهذلي عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إعملوا القرآن ، أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا به ولا تكفروا بشيء منه ، وما اشتبه عليكم ، فردّوه إلى الله وإلى أولي العلم من بعدي كيما يخبروكم ، وآمنوا به وآمنوا بالتوراة والانجيل والزبور وما أنزل إليكم من ربكم وليسعكم القرآن وما فيه من البيان فإنّه شافع مشفّع وكامل مصدّق وله بكلّ حرف نور يوم القيامة " .