السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا} (59)

{ يا أيها الذين آمنوا } أي : أقروا بالإيمان ، وبدأ بما هو العمدة في الحمل على ذلك فقال : { أطيعوا الله } أي : فيما أمركم به { وأطيعوا الرسول } أي : فيما بينه لكم { و } أطيعوا { أولي } أي : أصحاب { الأمر } أي : الولاة { منكم } أي : إذا أمروكم بإطاعة الله ورسوله ، وسواء كان ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بعده ، ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة وأمراء السرية .

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( السمع والطاعة على المرء فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال : ( اتقوا الله وصلوا رحمكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدّوا زكاة أموالكم وأطيعوا إذا أمركم تدخلوا جنة ربكم ) . وقيل : ( المراد بأولي الأمر أبو بكر وعمر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) وقال عطاء هم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان بدليل قوله تعالى : { والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان } ( التوبة ، 100 ) .

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل أصحابي وأمّتي كالملح في الطعام ولا يصلح الطعام إلا بالملح ) ، قال الحسن : فقد ذهب ملحنا فكيف نصلح وقيل : المراد علماء الشرع لقوله تعالى : { ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } ( النساء ، 83 ) .

{ فإن تنازعتم } أي : اختلفتم { في شيء فردوه إلى الله } أي : كتابه { والرسول } أي : مدّة حياته وبعد وفاته إلى سنته أي : اكشفوا عليه منهما والردّ إلى الكتاب والسنة واجب إن وجد فيهما ، فإن لم يوجد فسبيله الاجتهاد . وقيل : الرد إلى الله والرسول أن يقول لما لا يعلم : الله ورسوله أعلم { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي : فإن الإيمان يوجب هذا { ذلك } أي : من الردّ إليهما { خير } لكم من التنازع والقول بالرأي { وأحسن تأويلاً } أي : تأويلكم بلا رد أو عاقبة .