النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا} (59)

قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وِأُولي الأَمْرِ مِنكُمْ } يعني أطيعوا الله في أوامره ونواهيه ، وأطيعوا الرسول .

روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَطَاَعنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ، ومن أطاع{[659]} أميري فقد أطاعني ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَا اللهَ ، وَمَنْ عَصَا أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي " .

وفي طاعة الرسول قولان : أحدهما : اتباع سنته ، وهو قال عطاء .

والثاني : وأطيعوا الرسول إن كان حياً ، وهو قول ابن زيد .

وفي أولي الأمر أربعة أقاويل :

أحدها : هم الأمراء ، وهو قول ابن عباس ، وأبي هريرة ، والسدي ، وابن زيد .

وقد روى هشام عن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سَيَلِيكُم بَعْدِي وُلاَةٌ ، فَيَلِيكُمُ البَرُّ بِبِرِّهِ ، وَيَلِيكُمُ الفَاجِرُ بِفجُورِهِ ، فَاسْمَعُوا لَهُم وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الحَقَّ ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُم ، فإِن أَحْسَنٌواْ فَلَكُم وَلَهُم ، وإنْ أَساءُوا فَلَكُم وَعَليهُم " .

واختلف قائلو هذا القول في سبب نزولها في الأمراء ، فقال ابن عباس : نزلت في عبد الله{[660]} بن حذافة بن قيس السهمي إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية . وقال السدي : نزلت في عمار بن ياسر ، وخالد بن الوليد حين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية .

والقول الثاني : هم العلماء والفقهاء ، وهو قول جابر بن عبد الله ، والحسن ، وعطاء ، وأبي العالية .

والثالث : هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قول مجاهد .

والرابع : هم أبو بكر وعمر ، وهو قول عكرمة .

وطاعة ولاة الأمر تلزم في طاعة الله دون معصيته ، وهي طاعة يجوز أن تزول ، لجواز معصيتهم ، ولا يجوز أن تزول طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لامتناع معصيته .

وقد روى نافع عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عَلَى المرَءِ المُسْلِمِ الطَّاعةُ فِيمَا أَحبَّ أو كَرِهَ إلاََّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيةٍ فَلاَ طَاعَةَ " .

قوله تعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } قال مجاهد ، وقتادة : يعني إلى كتاب الله وسنة رسوله .

{ إِن كُنتُم تُؤُمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَومِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأْوِيلاً } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أَحْمَدُ عَاقِبَةً ، وهذا قول قتادة ، والسدي ، وابن زيد .

والثاني : أَظَهَرُ حَقاً وأَبْيَنُ صَواباً ، وهو معنى قول مجاهد .

والثالث : أحسن من تأويلكم الذي لا يرجع إلى أصل ولا يفضي إلى حق ، وهذا قول الزجاج .


[659]:- أطاع سقط من ق وأميري: كتبت في ك "أمري"
[660]:- هو من أصحاب بدر، وكانت فيه دعابة فأمر رجال سريته أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا، فلما أوقدوها أمرهم بالتقحم فيها فقال لهم، ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعتي؟ وقال "من أطاع أميري فقد أطاعني"، فقالوا ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار، فصوب الرسول (صلى الله عليه وسلم) فعلهم وقال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} (سيرة ابن هشام4/289)