جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا} (59)

{ يا أيها{[1045]} الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر {[1046]}منكم } السلاطين والأمراء فيما وافقوا الحق ، وأهل العلم والدين { فإن تنازعتم } أنتم وأولو الأمر { في شيء فرُدّوه } فراجعوا{[1047]} فيه { إلى الله } إلى كتابه { والرسول } في زمانه وسنته بعده { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك } : أي : الرد { خيرٌ } لكم { وأحسن تأويلاً } مآلا وعاقبة .


[1045]:لما أمر الولاة والرعاة بالعدل أمر الرعية بطاعة الولاة فقال: (يا أيها الذين آمنوا) الآية/12 كبير.
[1046]:هم الحكام والسلاطين إذا أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وإن أمروا بمباح إن كان فيه مصلحة عامة وجب القبول، وإن كان المصلحة بينه وبين الله، أو بينه وبين الخلق فيه خلاف/12 وجيز.
[1047]:قال مجاهد وغير واحد من السلف: هذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء ينازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله فهو الحق كما قال تعالى: (فما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) (الشورى: 10)، فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله فهو الحق (فماذا بعد الحق إلا الضلال) (يونس: 32)، ولهذا قال: (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) أي: ردوا وتحاكموا إليهما إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فدل على أن من لا يتحاكم في محال النزاع إلى كتاب الله وسنة رسوله ليس مؤمنا بالله واليوم الآخر، فالرد إلى الكتاب والسنة واجب لصريح الأمر وتعليق الإيمان عليه هكذا قال الشيخ محمد بن محسن عطاس صاحب تنزيه الذات والصفات قال الإمام الرازي: هذه الآية دالة على أن الكتاب والسنة مقدمان على القياس مطلقا فلا يجوز ترك العمل بهما بسبب القياس، ولا يجوز تخصيصهما بسبب القياس البتة سواء كان القياس جليّا أو خفيًّا، وسواء كان ذلك النص مخصوصا قبل ذلك أم لا ثم بين ذلك، وحقق كما هو حقه وأثبت ذلك بالوجوه العشرة التي لا يسعها المقام، وفي الفتح: ومن جملة ما استدل به المقلدة قوله تعالى: (وأولي الأمر) قالوا: هم العلماء، لكن أين هذا من الدلالة على مراد المقلدين فإنه لا طاعة لأحدهما أي: العلماء والولاة إلا إذا أمروا بطاعة الله على وفق سنة رسوله وشريعته، وأيضا العلماء إنما أرشدوا غيرهم إلى ترك تقليدهم ونهوهم عن ذلك كما روي عن الأئمة الأربعة وغيرهم، فطاعتهم ترك تقليدهم، ولو فرضنا أن في العلماء من يرشد الناس إلى التقليد ويرغبهم فيه لكان يرشد على معصية الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق انتهى ملخصًا/12.