التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا} (59)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً( 1 ) ( 59 ) } .

1 تأويلا : هنا بمعنى مخرجا وعاقبة ونتيجة ومصيرا . وهذه المعاني لا تخرج عن نطاق معنى الكلمة اللغوي الذي هو من آل بمعنى صار .

تعليق على الآية

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ )

وشرح ما في صددها من مبادئ وأحكام .

عبارة الآية واضحة وقد تضمنت أمرا للمسلمين بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر منهم . وبرد كل خلاف ونزاع بينهم في أي شيء إلى الله ورسوله . وقد جعلت الآية هذا دليلا أو شرطا لصحة إيمان المسلمين بالله واليوم الآخر . وقررت أن في ذلك الخير وأحسن الحلول والمخارج والأحكام .

ولقد روى المفسرون روايات عديدة في سبب نزول هذه الآية . منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أميرا على سرية اختلف في اسمه ؛ حيث روت رواية أنه عبد الله ابن حذافة ، ورواية أنه خالد بن الوليد وأن أحد رجال السرية أجار شخصا من الذين أرادت السرية الإغارة عليهم أعلن إسلامه بدون الرجوع إلى أميره ، فاعترض الأمير ورفع الأمر إلى النبي فأجاز الإجارة مع التنبيه على أن لا يتكرر ذلك بدون علم الأمير . فنزلت الآية لتوطيد طاعة الأمير . ومن الروايات أن تمردا وقع من أفراد سرية على أميرها ، فشكى القائد إلى النبي فنزلت الآية بسبيل ذلك وبعض المفسرين ً{[595]} يعزون بعض هذه الروايات باستثناء رواية خالد ابن الوليد إلى البخاري ومسلم والترمذي . ولم نجدها في الكتب التي بين أيدينا وخالد ابن الوليد لم يكن أسلم في ظروف نزول الآية على ما نرجح ، ونخشى أن يكون اسمه قد أقحم لغرض دعائي ؛ لأن الرواية تذكر أنه اختلف مع عمار وصار بينهما تشاد وتشاتم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أبغض عمارا أبغضه الله . . . والذي يتبادر لنا أن الآية في صدد أعم مما جاءت في الروايات ، وأنها هدفت إلى توطيد طاعة الله ورسوله وأولي الأمر على المسلمين بصورة عامة في مناسبة ما ، مما كانت حكمة التنزيل تقتضيه في العهد المدني بسبب تركيب المجتمع الإسلامي فيه على ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآيات الأولى من سورة الأنفال . ونرجح أن المناسبة التي نزلت فيها هي المذكورة في الآيات التالية لها على ما سوف ما نشرحه بعد بحيث يمكن أن يقال : إن السياق واحد ، بل وإنه بدأ بالآية ( 58 ) واستمر إلى الآية ( 65 ) وهذا يبدو قوي الوضوح إذا ما أنعم النظر فيه . وبقطع النظر عن تعدد الروايات فإن ترجيحنا لا يمنع أن يكون وقع حادث اختلاف بين أمير سرية وأحد أفرادها أو جماعة منهم فرفع الأمر إلى رسول الله فتلا الآية بسبيل لا توطيد طاعة الأمير ، فالتبس الأمر على الرواة . والله تعالى أعلم .

والآية على كل حال جملة تشريعية تامة مثل سابقتها . وهذا ما جعلناه نفردها عن السياق أيضا . وإطلاقها يفيد كما هو المتبادر أن ما احتوته هو تشريع مستمر للمسلمين في كل ظرف ومكان .

والجمهور متفقون على أن طاعة الله تتمثل في طاعة القرآن ، والتزام ما فيه من حدود وأحكام ومبادئ وأوامر ونواه . وأن طاعة الرسول تتمثل في السير وفق أوامره ونواهيه وتعليماته وإرشاداته في حياته ووفق سننه القولية والفعلية بعد مماته .

وينطوي في الآية في الوقت نفسه تقرير كون القرآن والسنة هما المرجعان الرئيسيان اللذان يجب الرجوع إليهما في كل نزاع بين المسلمين والوقوف عند ما فيهما من حدود ورسوم . وهذا الواجب يترتب على المسلمين وعلى أولي الأمر منهم . وسواء أكان النزاع فيما بين المسلمين أو فيما بينهم وبين أولي الأمر منهم . ويتبادر لنا أن جملة ( فإن تنازعتم ) تعني أيضا الاختلاف في الاجتهاد والمواقف جدلا نظريا أو مواقف فعلية . ويلفت النظر بخاصة إلى نقطة هامة وهي أمر الآية برد الأمور المتنازع فيها إلى الله ورسوله حصرا ؛ حيث ينطوي في هذا أنه ليس للمسلمين أن يردوا ذلك إلى أولى الأمر الذين أمرت الآية بطاعتهم بالإضافة إلى الله ورسوله . بل يكون كتاب الله وسنة رسوله هما الحكم في ذلك ، وأنه ليس لأولي الأمر أن يصدوا في ذلك أوامر غير ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله وأن يحملوا المسلمين على طاعتهم فيما يصدرون .

على أن هناك ما يمكن قوله ففي القرآن والسنة تشريعات وأوامر ونواه محددة كما فيهما مبادئ وتلقينات وتوجيهات وخطوط عامة . وهذه بخاصة شاملة واسعة ؛ بحيث يسوغ القول : إن من الممكن على ضوئها حل كل نزاع أو مشكلة أو مسألة ليس فيها تحديد صريح وقطعي في كتاب الله وسنة رسوله . وهذا من أسرار ترشح الشريعة الإسلامية للخلود والشمول فيما يتبادر لنا .

ومرجعية كتاب الله وسنة رسوله تصدق على هذه كما تصدق على تلك بطبيعة الحال .

والأمور المحددة القطعية في كتاب الله وسنة رسوله تظل محكمة لا يجوز فيها اجتهاد ولا تحويل ولا تبديل . أما عدا ذلك فيصح أن يجتهد في حله في نطاق المبادئ والتلقينات والتوجيهات والخطوط العامة في كتاب الله وسنة رسوله التي ذكرنا شمولها وسعتها . وفي هذه السورة هذه الآية ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم . . . ) ( 83 ) التي يمكن على ما يتبادر لنا أن يقال على ضوئها : إن حل الأمور المتنازع فيها والتي يحتاج حلها إلى اجتهاد لعدم ورودها محددة وقطعية في كتاب الله وسنة رسوله يناط بأولي الأمر من المسلمين وأهل الحل والعقد والعلم . منهم الذين يؤهلهم علمهم وعقلهم وتجربتهم وممارستهم لاستنباط الأحكام من مآخذها . واستلهام تلك المبادئ والتوجيهات والتلقينات والخطوط العامة في كتاب الله وسنة رسوله . وقد يصح أن نذكر جملة ( وشاورهم في الأمر ) في الآية ( 159 ) من سورة آل عمران وجملة ( وأمرهم شورى بينهم ) في الآية ( 38 ) من سورة الشورى في هذا السياق . وهذا شامل لكل ظرف ومكان وشأن كما هو المتبادر .

وننبه في هذه المناسبة على أن لعلماء الأصول في العصور الإسلامية الأولى تقريرات في الخطة التي ينبغي أن يسار عليها في حل ما ليس فيه في القرآن والسنة شيء صريح ومحدد يقوم على أساسا حل ذلك وفقا لإجماع علماء المسلمين .

وما لا يكون وما لا يمكن أن يكون فيه إجماع يسار فيها على مقتضى القياس على أمثال جرت في عهد النبي وخلفائه الراشدين . وما لا يكون فيه أمثال يسار فيه على الاستحسان أو الاستصلاح حسب الترتيب . مع واجب التنبيه على أن هذه التقريرات ليست مجمعا عليها ؛ حيث اختلف الأصوليون في إمكانية وواقعية الإجماع وحجيته . وفي الاعتماد على القياس وتعيين مداه أو التوسع فيه وفي الاستحسان والاستصلاح وظروفهما ومبرراتهما . وهناك من قال بإمكانية وواقعية حجية إجماع صدر الإسلام أو أصحاب رسول الله فقط ؛ لأن مجتهدي هذا العهد وعلماءه قليلون والرقعة غير منبسطة في حين أن المسلمين تفرقوا في أبعاد شاسعة . وصارت واقعية الإجماع وإمكانيته متعذرتين .

وهذا الخلاف من جهة وما هناك من خلافات اجتهادية ، فما ليس فيه نص محدود وقطعي ورتب الأحاديث والأخذ بالاستحسان والقياس والمصالح وعدمه من جهة أخرى من أسباب تعدد المذاهب الفقهية في ذلك .

وهناك خلاف بين العلماء المتأخرين في وجوب الوقوف عند أقوال واجتهادات أئمة الفقه المشهورين ، وفي جواز الاجتهاد لمن يؤهله علمه وخبرته وممارسته وعقله لاستنباط الأحكام من مآخذها فيما ليس فيه نص صريح أو محدد من قرآن وسنة . ونحن مع جواز ففضل الله لا يجوز حصره وتحريمه على أحد ولا زمن ولا جيل . وكتاب الله وسنن رسوله موجهة للمؤمنين في كل ظرف ومكان . وفي كتاب الله آيات كثيرة تهتف بالمؤمنين إطلاقا ليتدبروا كتاب الله ويتفكرون فيه ويعقلوه مع واجب القول : إن أقوال واجتهادات أئمة الفقه وعلمائه في القرون الإسلامية الأولى كنوز " ثمينة يجب أن تكون ملهمات ومآخذ لمن يتصدون للاجتهاد والنظر من المتأخرين .

وبديهي أن الأمر الذي تتضمنه الآية من جهة والإيمان بالله ورسوله من جهة أخرى موجبات إطاعة الله ورسوله وما يمثلهما من القرآن والسنن بدون قيد وشرط . أما أولو الأمر فقد رويت أحاديث عديدة تفيد أن طاعتهم منوطة بما فيه مصلحة المسلمين وما لا يتناقض مع ما في كتاب الله وسنن رسوله من أوامر ونواه وحدود وأنه لا طاعة لهم في معصية ولا فيما ليس فيه مصلحة للمسلمين ولا فيما يتناقض مع القرآن والسنة . من ذلك حديث رواه الخمسة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) ً{[596]} وحديث رواه مسلم عن أبي ذر قال ( أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف . وفي رواية إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا ) ً{[597]} وحديث رواه الشيخان عن عبادة ابن الصامت قال ( بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثره علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم . وفي رواية لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) ً{[598]} وحديث رواه الطبري بطرقه عن أبي هريرة قال ( قال النبي صلى الله عليه وسلم سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق ، وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم وإن أساؤوا فعليهم ) وهذا الحديث لم يرد في الصحاح . ولكن هذا لا يمنع صحته . وقد ورد في الصحاح أحاديث من بابه . منها حديث رواه الشيخان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية ) ً{[599]} وحديث رواه مسلم وأبو داود جاء فيه ( إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ) فمن كره فقد برئ . ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع قيل يا رسول الله ألا نقاتلهم قال لا ما وصلوا ) ً{[600]} وحديث رواه مسلم عن عرفجة قال ( سمعت رسول الله يقول : ستكون هناك هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع ، فاضربوه بالسيف كائنا من كان ){[601]} وحديث رواه مسلم عن عوف ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم . وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم . قيل : يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال : لا ما أقاموا الصلاة فيكم ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة )ً{[602]} .

وكلمة منكم في الآية تعني أن أولي الأمر الذين تجب على المسلمين طاعتهم هم الذين يكونون منهم أي ( المسلمين ) وينطوي في هذا عدم جواز طاعة المسلم لحاكم أو سلطان أو أمير غير مسلم كما هو المتبادر .

وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى بعدم الرضا لحكم الأجنبي والخضوع والاستسلام له وحفز المسلم على التمرد عليه والتخلص من سيطرته وبذل ما يستطيع من جهد في هذا السبيل . وفي هذه السورة آيات مؤيدة لهذا التلقين وهي الآيات ( 76 و 97 100 ) على ما سوف نشرحه بعد .

ولقد روى المفسرون أقوالا عن ابن عباس وبعض التابعين أن ( وأولي الأمر ) الذين تجب طاعتهم هم أولو العلم والفقه كما رووا عن بعض التابعين أنهم الولاة والحكام وقد صوب الطبري القول الثاني دون الأول استئناسا بالأحاديث النبوية التي رويناها قبل واستنادا إليها وهو الحق والصواب فيما يتبادر لنا مع القول إن المقصود بهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأن الآية تشمل ذلك هم الذين كان النبي ينتدبهم لقيادة الجيوش والمهمات الأخرى التي يكون لهم فيها حق الأمر على من معهم من المسلمين كما هو المتبادر . وهناك حديث رواه الشيخان والنسائي عن أبي هريرة فيه تأييد لذلك جاء فيه ( قال النبي صلى الله عليه وسلم من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني ){[603]}ومن المعروف اليقيني أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده بمدة ما طبقة يمكن أن توصف بأولي العلم والفقه يمكن أن يراجعها الناس أو تتصدى للأمر والنهي فيهم بهذه الصفة وهذا مما يوجه ويقوي ترجيح الطبري والله اعلم .

وننبه على أننا لا نريد بهذا أن نضعف حق العلماء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى ما فيه الخير والسداد والحق من شؤون دينية وغير دينية ولا واجب عامة المسلمين بطاعتهم في ذلك وفي سورة المائدة آية تندد بالأحبار والربانيين لأنهم لا ينهون عامة اليهود عن قول الإثم وأكل السحت وهي الآية ( 63 ) حيث يمكن أن تلهم أن من واجب العلماء أن يأمروا العامة بالمعروف وينهوهم عن المنكر وهناك آية أخرى في سورة الأنبياء تأمر السامعين بسؤال أهل العلم وهي الآية المنكر . وفي سورتي النحل والأنبياء آيتان تأمران السامعين بسؤال أهل العلم وهما ( 43 ) و ( 7 ) وهناك آيات أخرى مر شرحها والتعليق عليها فيها تقرير واجب أهل العلم في بيان ما آتاهم الله من العلم والكتاب وتندد بمن يكتمون ذلك وتنذرهم بل وتلعنهم مثل آيات البقرة ( 159 و 174 ) وآل عمران ( 182 ) وعلى عامة المسلمين بالمقابل إطاعة أوامر العلماء واتباع توضيحاتهم على شرط أن يكونوا ملتزمين بكتاب الله وسنن رسوله وللعامة أن يطلبوا منهم سندا إذا لم يكن الأمر واضحا لهم وليس عليهم طاعتهم طاعة عمياء . والله تعالى أعلم .

ولقد روى الطبرسي الشيعي عن الإمامين الباقر والصادق : أن أولي الأمر في الآية هم الأئمة من آل محمد ؛ لأن الأمر بطاعة أولي الأمر مطلق مثل الأمر بطاعة الله ورسوله ولا يصح إيجاب إطاعة أحد بإطلاق إلا من ثبتت عصمته وهذه صفة أئمة الهدى من آل محمد . وروى الكاشي ً{[604]} حديثا طويلا عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر له جملة ( وأولي الأمر ) بأنه هو والأئمة من نسله إلى الثاني عشر المهدي المنتظر وسماهم له واحدا واحدا .

والتعسف ظاهر في هذا . ونحن ننزه عليا رضي الله عنه عن الحديث المنسوب إليه . هذا فضلا عن ما في الأحاديث من مناقضته لتعبير ( وأولي الأمر منكم ) الذي يفيد شمولا ولا يمكن أن يفيد حصرا في فرد بعد وفاة فرد من أسرة واحدة ويقف عند الثاني عشر في القرن الثالث الهجري . . ثم فضلا عن ما فيها من تعطيل للحكم القرآني المتصل بمصلحة المجتمع الإسلامي المستمرة الذي ظل وسيظل يقوم على رأسه أولو أمر يحتاج المسلمون إلى ضابط إزاءهم وهذا الضابط هو هذه الآية وما ورد في الأحاديث النبوية من حدود وقيود .


[595]:انظر تفسير ابن كثير والقاسمي
[596]:التاج ج 3 ص 40 ومعنى (فيما أحب أو كره) في الحديث الأول هو أن السمع والطاعة واجبة في غير المعصية سواء أحب المسلم ما أمر به أو كرهه
[597]:المصدر نفسه
[598]:التاج ج 3 ص 40 ـ 42
[599]:المصدر نفسه
[600]:المصدر نفسه
[601]:المصدر نفسه
[602]:المصدر نفسه
[603]:التاج ج 3 ص 40
[604]:انظر كتاب التفسير والمفسرون للذهبي ج 2 ص 150