فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا} (59)

{ يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا( 59 ) }

أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون " قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال : " أوفوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم " ، وأخرجا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن رأى مِن أميره شيئا فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية " ، وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خلع يداً مِن طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " ، وفي صحيح مسلم كذلك عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال : دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- جالس في ظل الكعبة والناس حوله ، مجتمعون عليه ، فأتيتهم ، فجلست إليه ، فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلا ، فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من ينتضل ، ومنا من هو في جشره( {[1450]} ) ، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة جامعة ! فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور ينكرونها وتجيء فتن يرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " قال : فدنوت منه ، فقلت : أنشدك بالله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيده ، وقال : سمعته أذناي ووعاه قلبي ، فقلت له : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، ويقتل بعضنا بعضا ، والله تعالى يقول : { يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } ؛ قال : فسكت ساعة ثم قال : أطعه في طاعة الله ، واعصه في معصية الله ؛ يأمر الله تعالى أهل الإيمان المستيقنين بأن يطيعوا ربهم فيأتمروا بأمره وينتهوا عن مناهيه ، وأن يطيعوا الرسول ، فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ؛ وعلى أهل التصديق بالحق أن يلتزموا كتاب الله وسنة نبيه ؛ { وأولي الأمر منكم } قال ابن عباس : يعني أهل الفقه والدين ، وقال مجاهد وعطاء : يعني العلماء ؛ لكنا قد قدمنا أن الأمر على العموم في كل أولي الأمر ، وأن عهد الله أن نطيعهم في المعروف ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؛ { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } عن مجاهد قال : فإن تنازع العلماء ردوه إلى الله والرسول ، قال : يقول : فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله ؛ وعن ابن جرير : فإن اختلفتم أيها المؤمنون في شيء من أمر دينكم أنتم فيما بينكم ، أو أنتم وولاة أمركم فاشتجرتم فيه ، . . ، فارتادوا معرفة حكم ذلك الذي اشتجرتم أنتم بينكم ، أو أنتم وأولوا الأمر فيه من عند الله ، يعني بذلك من كتاب الله ، فاتبعوا ما وجدتم ، وأما قوله ، { والرسول } فإنه يقول : إن لم تجدوا إلى علم ذلك في كتاب الله سبيلا فارتادوا معرفة ذلك أيضا من عند الرسول إن كان حيا ، وإن كان ميتا فمن سنته ، { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } يقول : افعلوا ذلك إن كنتم تصدقون بالله واليوم الآخر ، يعني بالمعاد الذي فيه الثواب والعقاب ، فإنكم إن فعلتم ما أمرتم به من ذلك من الله الجزيل من الثواب ، وإن لم تفعلوا ذلك فلكم الأليم من العذاب ، . . . . ، { ذلك خير وأحسن تأويلا } . . فرد ما تنازعتم فيه من شيء إلى الله والرسول خير لكم عند الله في معادكم ، وأصلح لكم في دنياكم ، لأن ذلك يدعوكم إلى الألفة وترك التنازع والفرقة ، { وأحسن تأويلا } يعني : وأحمد موئلا ومغبة ، وأجمل عاقبة . اه .


[1450]:الدواب ترعى في مكان وتبيت فيه.