معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۖ وَلَا تُسۡـَٔلُ عَنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَحِيمِ} (119)

قوله تعالى : { إنا أرسلناك بالحق } . أي بالصدق كقوله ( ويستنبئونك أحق هو ؟قل أي وربي إنه لحق ) أي صدق ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : بالقرآن دليله { بل كذبوا بالحق لما جاءهم } وقال ابن كيسان : بالإسلام وشرائعه ، دليله قوله عز وجل : { وقل جاء الحق } وقال مقاتل : معناه لم نرسلك عبثاً ، وإنما أرسلناك بالحق كما قال : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } .

قوله تعالى : { بشيراً } . أي مبشراً لأوليائي وأهل طاعتي بالثواب الكريم .

قوله تعالى : { ونذيراً } . أي منذراً مخوفاً لأعدائي وأهل معصيتي بالعذاب الأليم ، قرأ نافع و يعقوب .

قوله تعالى : { ولا تسأل } . على النهي قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : " ليت شعري ما فعل أبواي " فنزلت هذه الآية ، وقيل : هو على معنى ولا تسأل عن شر فلان فإنه فوق ما تحسب وليس على النهي ، وقرأ الآخرون ولا تسأل بالرفع على النفي بمعنى ولست بمسؤول عنهم ، كما قال الله تعالى : { فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } .

قوله تعالى : { عن أصحاب الجحيم } . والجحيم معظم النار .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۖ وَلَا تُسۡـَٔلُ عَنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَحِيمِ} (119)

ثم ساق القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم ما يسليه ويثبته فقال : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بالحق بَشِيراً . . . }

قوله : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بالحق بَشِيراً وَنَذِيراً } معناه : إنا أرسلناك يا محمد بالدين الصحيح المشتمل على الأحكام الصادقة ، لتبشر بالثواب من آمن وعمل صالحاً ، وتنذر بالعقاب من كفر وعصى .

وصدرت الآية الكريمة بحرف التأكيد ، لمزيد الاهتمام بهذا الخبر ، وللتنويه بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم .

وجيء بالمسند إليه ضمير الجلالة ، تشريفاً للنبي صلى الله عليه وسلم فكأن الله - تعالى - يشافهه بهذا الكلام بدون واسطة ، ولذا لم يقل له إن الله أرسلك .

وقوله : { بالحق } متعلق بأرسلناك . والحق : مأخوذ من حق الشيء ، أي : واجب وثبت ، ويطلق الحق على الحكم الصادق المطابق للواقع ، ويسمى الدين الصحيح حقاً لاشتماله على الأحكام الصادقة .

وقوله : { بَشِيراً وَنَذِيراً } حالان ، والبشير : المبشر ، وهو المخبر بالأمر السار للمخبر به الذي لم يسبق له علم به . والنذير : المنذر ، وهو المخبر بالأمر المخوف ليحذر منه .

وجملة { وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجحيم } معطوف على جملة { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } .

والجحيم : المتأجج من النار . وأصحابها : الملازمون لها . والسؤال : كناية عن المؤاخذة واللوم .

والمعنى : لا تذهب نفسك عليهم حسرات يا محمد ، فإن وظيفتك أن تبشر وتنذر ولست بعد ذلك مؤاخذاً ببقاء الكافرين على كفرهم ، ولست مسؤولا عن عدم اهتدائهم { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب } وفي وصفهم بأنهم أصحاب الجحيم ، إشعار بأنهم قد طبع على قلوبهم ، فصاروا لا يرجى منها الرجوع عن الكفر .

وفي هذه الجملة مع قوله : { بَشِيراً وَنَذِيراً } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يؤمن به أولئك الجاحدون المتعنتون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۖ وَلَا تُسۡـَٔلُ عَنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَحِيمِ} (119)

جملة معترضة بين حكايات أحوال المشركين وأهل الكتاب ، القصد منها تأنيس الرسول عليه الصلاة والسلام من أسفه على ما لقيه من أهل الكتاب مما يماثل ما لقيه من المشركين وقد كان يود أن يؤمن به أهل الكتاب فيتأيد بهم الإسلام على المشركين فإذا هو يلقى منهم ما لقي من المشركين أو أشد وقد قال « لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود كلهم » فكان لتذكير الله إياه بأنه أرسله تهدئة لخاطره الشريف وعذر له إذ أبلغ الرسالة وتطمين لنفسه بأنه غير مسؤول عن قوم رضوا لأنفسهم بالجحيم . وفيه تمهيد للتأييس من إيمان اليهود والنصارى .

وجيء بالتأكيد وإن كان النبي لا يتردد في ذلك لمزيد الاهتمام بهذا الخبر وبيان أنه ينوه به لما تضمنه من تنويه شأن الرسول .

وجيء بالمسند إليه ضمير الجلالة تشريفاً للنبيء صلى الله عليه وسلم بعز الحضور لمقام التكلم مع الخالق تعالى وتقدس كأن الله يشافهه بهذا الكلام بدون واسطة فلذا لم يقل له إن الله أرسلك .

وقوله : { بالحق } متعلق بأرسلناك . والحق هو الهدى والإسلام والقرآن وغير ذلك من وجوه الحق المعجزات وهي كلها ملابسة للنبيء صلى الله عليه وسلم في رسالته بعضها بملابسة التبليغ وبعضها بملابسة التأييد . فالمعنى إنك رسول الله وإن القرآن حق منزل من الله .

وقوله : { بشيراً ونذيراً } حالان وهما بزنة فعيل بمعنى فاعل مأخوذان من بشر المضاعف وأنذر المزيد فمجيئهما من الرباعي على خلاف القياس كالقول في { بديع السماوات والأرض } [ البقرة : 117 ] المتقدم آنفاً ، وقيل : البشير مشتق من بشر المخفف الشين من باب نصر ولا داعي إليه .

وقوله : { ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } الواو للعطف وهو إما على جملة { إنا أرسلناك } أو على الحال في قوله : { بشيراً ونذيراً } ويجوز كون الواو للحال .

قرأ نافع ويعقوب بفتح الفوقية وسكون اللام على أنَّ ( لا ) حرف نهي جازم للمضارع وهو عطف إنشاء على خبر والسؤال هنا مستعمل في الاهتمام والتطلع إلى معرفة الحال مجازاً مرسلاً بعلاقة اللزوم لأن المعني بالشيء المتطلع لمعرفة أحواله يكثر من السؤال عنه ، أو هو كناية عن فظاعة أحوال المشركين والكافرين حتى إن المتفكر في مصير حالهم ينهى عن الاشتغال بذلك لأنها أحوال لا يحيط بها الوصف ولا يبلغ إلى كنهها العقل في فظاعتها وشناعتها ، وذلك أن النهي عن السؤال يرد لمعنى تعظيم أمر المسؤول عنه نحو قول عائشة : « يصلي أربعاً فلا تَسْأَلْ عن حسنهن وطولهن » ولهذا شاع عند أهل العلم إلقاء المسائل الصعبة بطريقة السؤال نحو ( فإن قلت ) للاهتمام .

وقرأه جمهور العشرة بضم الفوقية ورفع اللام على أن ( لا ) نافية أي لا يسألك الله عن أصحاب الجحيم وهو تقرير لمضمون { إنا أرسلناك بالحق } والسؤال كناية عن المؤاخذة واللوم مثل قوله صلى الله عليه وسلم " وكلكم مسؤول عن رعيته " أي لست مؤاخذاً ببقاء الكافرين على كفرهم بعد أن بلغت لهم الدعوة .

وما قيل إن الآية نزلت في نهيه صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن حال أبويه في الآخرة فهو استناد لرواية واهية ولوصحت لكان حمل الآية على ذلك مجافياً للبلاغة إذ قد علمت أن قوله : { إنا أرسلناك } تأنيس وتسكين فالإتيان معه بما يذكِّر المكدرات خروج عن الغرض وهو مما يعبر عنه بفساد الوضع .