معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (14)

قوله تعالى : { ولنسكننكم الأرض من بعدهم } أي : من بعد هلاكهم . { ذلك لمن خاف مقامي } أي : قيامه بين يدي كما قال : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن-46 ] ، فأضاف قيام العبد إلى نفسه ، كما تقول : ندمت على ضربك أي على ضربي إياك ، { وخاف وعيد } أي عقابي .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (14)

{ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ } - أيها الرسل { الأرض } أى أرضهم { مِن بَعْدِهِمْ } أى من بعد إهلاكهم واستئصال شأفتهم .

قال الآلوسى ما ملخصه : " وأوحى هنا يحتمل أن يكون بمعنى فعل الإِيحاء فلا مفعول له " .

وقوله { لنهكن } على إضمار القول ، أى : قائلاً لنلهكن ، ويحتمل أن يكون جارياً مجرى القول لكونه ضرباً منه ، وقوله { لنهلكن } مفعوله . . .

وخص - سبحانه - الظالمين من الذين كفروا ، لأنه من الجائز أن يؤمن من الكفرة الذين قالوا تلك المقالة أناس معينون ، فالتوعد لإِهلاك من خلص للظلم " .

وأكد - سبحانه - إهلاك الظالمين وإسكان الرسل أرضهم ، بلا القسم ونون التوكيد . . زيادة فى إدخال السرور على نفوس الرسل ، وفى تثبيت قلوبهم على الحق ، ورداً على أولئك الظالمين الذين أقسموا بأن يخرجوا الرسل من ديارهم ، أو يعودوا إلى ملتهم .

قال صاحب الكشاف : " والمراد بالأرض فى قوله { وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ } أرض الظالمين وديارهم ، ونحوه : { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ } وعن النبى - صلى الله عليه وسلم - " من آذى جاره ورثه الله داره " .

ثم قال : ولقد عاينت هذا فى مدة قريبة ، كان لى خال يظلمه عظيم القرية التى أنا منها ويؤذينى فيه ، فمات ذلك العظيم وملكنى الله ضيعته ، فنظرت يوماً إلى أبناء خالى يترددون فيها ، ويدخلون فى دورها ويخرجون ويأمرون وينهون ، فذكرت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وحدثتهم به ، وسجدنا شكراً لله " .

واسم الإِشارة فى قوله - سبحانه - { ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } يعود إلى ما قضى الله به من إهلاك الظالمين ، وتمكين الرسل وأتباعهم من أرضهم .

أى : ذلك الذى قضيت به كائن لمن خاف قيامى عليه ، ومراقبتى له ، ومكان وقوفه بين يدى للحساب ، وخاف وعيدى بالعذاب لمن عصانى .

قال الجمل : " ومقامى فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مقحم - وهو بعيد إذ الأسماء لا تقحم ، أى ذلك لمن خافنى - الثانى : أنه مصدر مضاف للفاعل .

قال الفراء : مقامى مصدر مضاف لفاعله ، أى قيامى عليه بالحفظ . الثالث : أنه اسم مكان ، قال الزجاج : مكان وقوفه بين يدى الحساب " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (14)

وقوله : { لنسكننكم } الخطاب للحاضرين ، والمراد هم وذريتهم ، ويترتب هذا المعنى في قوله : { ويؤخركم إلى أجل مسمى } [ إبراهيم : 10 ] أي يؤخركم وأعقابكم .

وقرأ أبو حيوة : «ليهلكن » و «ليسكننكم » بالياء فيهما{[7029]} .

وقوله : { مقامي } يحتمل أن يريد به المصدر من القيام على الشيء بالقدرة ، ويحتمل أن يريد به الظرف لقيام العبد بين يديه في الآخرة ، فإضافته - إذا كان مصدراً - إضافة المصدر إلى الفاعل ، وإضافته - إذا كان ظرفاً - إضافة الظرف إلى حاضره ، أي مقام حسابي ، فجائز قوله : { مقامي } وجائز لو قال : مقامه ، وجائز لو قال : مقام العرض والجزاء ، وهذا كما تقول : دار الحاكم ودار الحكم ودار المحكوم عليهم .

وقال أبو عبيدة : { مقامي } مجازه ، حيث أقيمه بين يدي للحساب{[7030]} ، و «الاستفتاح » طلب الحكم ، والفتاح : الحاكم ، والمعنى : أن الرسل استفتحوا ، أي سألوا الله تعالى إنفاذ الحكم بنصرهم وتعذيب الكفرة ، ويل : بل استفتح الكفار ، على نحو قول قريش { عجل لنا قطنا }{[7031]} [ ص : 16 ] وعلى نحو قول أبي جهل في بدر اللهم أقطعنا للرحم وأتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة{[7032]} . هذا قول أبي زيد .


[7029]:اعتبارا بقوله: {فأوحى إليهم ربهم}، إذ لفظه لفظ الغائب.
[7030]:وقال الفراء في "معاني القرآن": "معناه: ذلك لمن خاف مقامه بين يدي، ومثله قوله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}، معناه: رزقي إياكم، والعرب تضيف أفعالها إلى أنفسها وإلى ما أوقعت عليه، فيقولون: ندمت على ضربي إياك ـ و ندمت على ضربك ، فهذا من ذلك".
[7031]:يريدون: كتاب حسابنا، أو نصيبنا. و هي من الآية (16) من سورة (ص).
[7032]:أحنة الغداة: اجعل حينه (أي وقت وفاته) سريعا في الغد.