تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (14)

الآية 14 : وقوله تعالى : { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين } { ولنسكننكم الأرض من بعدهم } وعد لهم النصر والظفر عليهم والتمكين في أرضهم مع قله عدد أتباع الرسل وضعف أبدانهم ومع كثرة الأعداء وقوة أبدانهم ليعلموا أنه إنما قالوا ذلك بوحي من الله ووعده إياهم حيث أنفسهم ، والله أعلم .

فكان على ما أخبروا ، فكان [ ذلك ]{[9504]} من آيات رسالتهم .

وما ينبغي لهم أن يطلبوا من الرسل الآيات والحجج على ما ادّعوا لأنهم لم يدعوهم إلى طاعة أنفسهم أو عبادتهم ، وإنما دعوهم إلى وحدانية الله تعالى وألوهيته وجعل الطاعات والعبادة له دون ما عبدوها من الأصنام .

وذلك في شهادة خلقتهم وشهادة كل خلقه ، وإن لطف ، وصغر ، فلم يحتجوا بأن{[9505]} يقيموا البراهين والحجج على ما ادعوهم ، لكنهم كانوا قوما معاندين مكابرين ، لا يقبلون قولهم ، ولا يصدقونهم تعنتا وتكبرا ، لم ينظروا في خلق الله ليدركوا آثار وحدانيته وألوهيته ، فكلفوا إقامة الحجج والآيات لئلا يكون لهم الاحتجاج ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي } قوله تعالى : { ذلك } يحتمل وجوها [ ثلاثة ]{[9506]} لأنه قد سبقه{[9507]} خصال ثلاث : ما يحتمل رجوع هذا الحرف إلى كل واحد من ذلك :

أحدهما : [ سبق ]{[9508]} قوله : { إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده } [ إبراهيم : 11 ] . فيحتمل قوله { ذلك } المن والفضل { لمن خاف مقامي وخاف وعيد } .

والثاني{[9509]} : سبق أيضا قوله : { وما لنا ألا نتوكل على الله } [ إبراهيم : 12 ] أي ذلك الهدى والسبل التي هدانا إليها ، أي ذلك الهدى والهداية { لمن خاف مقامي وخاف وعيد } .

والثالث{[9510]} : سبق أيضا [ قوله ]{[9511]} : { فأوحى إليهم ربهم } الآية [ إبراهيم : 13 ] أي ذلك النصر والظفر بهم والتمكين في الأرض { لمن خاف مقامي وخاف وعيد } .

ثم قوله : { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } قال بعضهم : { خاف مقامي } في الدنيا و الآخرة ، وتأويله ، والله أعلم ، أي خاف سلطاني ونقمتي وعذابي في الدنيا بما نزل بمكذبي رسله وأنبياءه { وخاف وعيد } وعذابي في الآخرة حين{[9512]} وعد أنه يحل بهم بالتكذيب وترك الإجابة .

وقال بعضهم : { خاف مقامي } في الآخرة ، وهو كقوله : { يوم يقوم الناس لرب العالمين } [ المطففين : 6 ] يخاف ذلك المقام { وخاف وعيد } وخاف ما وعد من العذاب في النار .

ثم قوله : { مقامي } حين{[9513]} أضاف إليه ليس في الاشتباه بأقل من قوله : { استوى على العرش } [ الأعراف : 54 و . . . . ]

وأقل من قوله : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } الآية [ البقرة : 210 ] وأمثاله . فكيف اشتبه هذا على التشبيه ، ولم يشتبه قوله : { مقامي } حين{[9514]} سألوا في ذلك ، ولم يسألوا في هذا ؟ وهذا : {[9515]} لم يكن أكثر من الاشتباه ، فليس بأقل .

والأصل في هذا وأمثاله من قوله { وإليه المصير } [ المائدة : 18 و . . . . . ] وقوله{[9516]} : { إليه مرجعكم } [ يونس : 4 ] [ وقوله ]{[9517]} : { وإليه مآب } [ الرعد : 36 ] [ وقوله ]{[9518]} : { وإليه مآب } [ الرعد : 30 ] : ذكر هذا ، وإن كان الخلائق جميعا ، يكون مصيرهم ومرجعهم إليه ، لأنه – جل ، وعلا – لم يخلقهم للمقام في الدنيا والدوام فيها ، وإنما خلقهم للزوال عنها والفناء والمقام في الآخرة والدوام فيها ، لكن خلقهم في هذه الدنيا ليمتحنهم ، ويبتلون فيها / 269 – أ/ ثم يصيرون إلى دار المقام .

فالآخرة هي المقصود في خلقهم في الدنيا ، لا الدنيا . فإذا كان كذلك أضاف المصير إلى نفسه إلى ما هو المقصود في خلقه ، وإن كانوا في الدنيا والآخرة صائرين إليه غير غائبين عنه طرفة عين ، ولا فائتين عنه ، وبالله النجاة .

ذكر الله عز وجل أنباء الرسل الماضية وأتباعهم ، وأنباء أعدائهم ، وما عامل بعضهم بعضا ، وما نزل بالأعداء بما عاملوا رسلهم من العذاب ، والاستئصال وأنواع البلايا ، وما أكرم رسله وأتباعهم وأوليائهم من النصر على أعدائهم والظفر بهم والتمكين في الأرض .

وجعل ذلك كله كتابا بالحكمة يتلى ليعلم [ كيف يعامل ]{[9519]} الأعداء والأولياء ليرغب في ما استوجب الأولياء من الكرامات ، وليحذر{[9520]} عن مثل صنيع الأعداء ، وليعلم{[9521]} كيف عامل رسله وأوليائه وكيف عامل الرسل [ ربهم ]{[9522]} .

أضاف الرسل جميع ما يأتوا من الخيرات والكرامات إلى الله كأن صنع لهم في ذلك حين{[9523]} قالوا : إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده } [ إبراهيم : 11 ] .

ذكر [ الله تعالى قولهم ]{[9524]} { إن نحن إلا بشر مثلكم } ليعلم أن الخير ليس يكون بالجوهر ، ولكن بفضل من الله تعالى وبرحمته .

وقالوا{[9525]}{ وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا } [ إبراهيم : 12 ] وأمثاله ، وأضافوا ذلك إليه كأنهم لا صنع لهم في ذلك .

وذكر الله عز وجل ما أكرم أولياءه ورسله من النصر والتمكين والإنزال في الديار كأنهم استوجبوا ذلك بفعل{[9526]} كان منهم ، وهو قوله : { ذلك } أي ذلك النصر والتمكين وما ذكرنا من الوجوه [ في قوله ]{[9527]} : { لمن خاف مقامي وخاف وعيد } : ذكر أنهم استوجبوا ذلك لا أن كان [ ذلك ]{[9528]} من الله بحق إفضال وامتنان [ ولكن ]{[9529]} ليعلموا معاملة الله ورسله وأولياءه ومعاملة الرسل والأولياء سيدهم ومولاهم ، والله أعلم .


[9504]:من م، ساقطة من الأصل.
[9505]:في الأصل وم: إلى أن.
[9506]:ساقطة من الأصل وم.
[9507]:في الأصل وم: سبق.
[9508]:في الأصل وم.
[9509]:في الأصل وم: و
[9510]:في الأصل وم: و.
[9511]:ساقطة من الأصل وم.
[9512]:في الأصل وم: حيث.
[9513]:في الأصل وم: حيث.
[9514]:في الأصل وم: حيث.
[9515]:من ميم، في الأصل: أي.
[9516]:في الأصل وم: و.
[9517]:ساقطة من الأصل وم.
[9518]:ساقطة من الأصل و م.
[9519]:في الأصل مقابل في م: يعامل.
[9520]:في الأصل وم: وليحذروا.
[9521]:في الأصل وم: وليعلموا أن.
[9522]:من م، ساقطة من الأصل.
[9523]:في الأصل وم: حيث.
[9524]:في الأصل وم: قوله.
[9525]:في الأصل وم: وقوله تعالى.
[9526]:من م، في الأصل: بفطر.
[9527]:ساقطة من الأصل وم.
[9528]:من م، ساقطة من الأصل.
[9529]:ساقطة من الأصل وم.