الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (14)

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { ولنسكننكم الأرض من بعدهم } قال : وعدهم النصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة . فبين الله تعالى من يسكنها من عباده ، فقال { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] وإن لله مقاماً هو قائمه ، وإن أهل الإِيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ، ودأبوا الليل والنهار .

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم { قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } [ التحريم : 6 ] تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات ليلة ، فخر فتى مغشياً عليه ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده ، فإذا هو يتحرك ، فقال : « يا فتى . قل لا إله إلا الله . فقالها . فبشره بالجنة . فقال أصحابه : يا رسول الله ، أمن بيننا ؟ قال : أما سمعتم قوله تعالى { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } » .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا ، عن عبد العزيز بن أبي رواد - رضي الله عنه - قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } [ التحريم : 6 ] ولفظ الحكيم ، لما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، تلاها على أصحابه وفيهم شيخ . ولفظ الحكيم ، فتى . فقال : يا رسول الله ، حجارة جهنم كحجارة الدنيا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا . فوقع مغشياً عليه ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو حي ، فناداه فقال : قل لا إله إلا الله . فقالها ، فبشره بالجنة : فقال أصحابه : يا رسول الله ، أمن بيننا ؟ فقال : نعم ، يقول الله عز وجل { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } » .

وأخرج الحاكم من طريق حماد بن أبي حميد ، عن مكحول عن عياض بن سليمان - رضي الله عنه - وكانت له صحبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى ، قوم يضحكون جهراً في سعة رحمة ربهم ، ويبكون سراً من خوف عذاب ربهم ، يذكرون ربهم بالغداة والعشي في البيوت الطيبة والمساجد ، ويدعونه بألسنتهم رغباً ورهباً ، ويسألونه بأيديهم خفضاً ورفعاً ، ويقبلون بقلوبهم عوداً وبدءاً ، فمؤنتهم على الناس خفيفة ، وعلى أنفسهم ثقيلة . يدبّون في الليل حفاة على أقدامهم كدبيب النمل ، بلا مرح ولا بذخ ، يقرؤون القرآن ويقربون القربان ويلبسون الخلقان ، عليهم من الله تعالى شهود حاضرة وعين حافظة ، يتوسمون العباد ويتفكرون في البلاد ، أرواحهم في الدنيا وقلوبهم في الآخرة ، ليس لهم هم إلا أمامهم . أعدوا الجواز لقبورهم والجواز لسبلهم ، والاستعداد لمقامهم ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } » قال الذهبي - رضي الله عنه - هذا حديث عجب منكر ، وأحسبه أدخل علي بن السماك - رضي الله عنه - يعني شيخ الحاكم الذي حدثه به . قال : ولا وجه لذكره في هذا الكتاب - يعني المستدرك - قال : وحماد ضعيف . ولكن ، لا يحتمل مثل هذا ، ومكحول مدلس وعياض لا يدري من هو . انتهى .