اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (14)

وقرأ أبو حيوة " ليُهْلِكنَّ " و " ليُسْكِننَّكُمْ " بياء الغيبة مناسبة لقوله : " ربُّهُمْ " والمراد بالأرض : أرض الظالمين ، وديارهم ، وأموالهم وقال -عليه الصلاة والسلام- : " مَنْ أذَى جَارهُ ورَّثُه اللهُ دارهُ " وهذه الآية تدلُّ على أن من يتوكل على الله في دفع عدوه كفاه الله أمر عدوه .

قوله : { ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } " ذلِكَ " مبتدأ ، وهو مشار به إلى توريث الأرض ، و " لمَنْ خَافَ " هو الخبر ، و " مَقامِي " فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مقحم ، وهو بعيد ؛ إذ الأسماء لا تقحم .

الثاني : أنه مصدر مضاف للفاعل .

قال الفراء : " مَقامِي " مصدر مضاف لفاعله أي : مقامي عليه بالحفظ .

الثالث : أنه اسم مكان .

قال الزجاج : " مكان وقوفه بين يدي الحساب ، كقوله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } [ الرحمان : 46 ] فأضاف قيام العبد إلى نفسه ، كقولك : نَدِمْتُ على ضَربِكَ ، أي : على ضَرْبِي إيَّاك ، و " خَافَ وعِيدِ " أي : عقابي ، أثبت الياء هنا ، وفي " ق " في موضعين : { كُلٌّ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ وَعِيدِ } ، { فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] وصلاً ، وحذفها وقفاً{[19174]} ورش ، والباقون وصلاً ووقفاً " .

فصل

في تفسير المقام وجوه :

الأول : موقفي وهو موقف الحساب ؛ لأنَّه الذي يقف فيه العباد يوم القيامة ، كقوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } [ النازعات : 10 ] .

الثاني : أن المقام مصدر كالقيام ، يقال : قَامَ قِيَاماً ، ومقَاماً ، أي : لمن خاف مقامي ، أي : مقام العباد عندي ، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول .

الثالث : لمن خاف مقامي ، أي : لمن خافني ، وذكر المقام هنا ، كقولك سلامٌ على المَجْلسِ الفُلاني ، والمراد : السَّلام على فلان .

قوله : { وَخَافَ وَعِيدِ } قال الواحدي : الوعيد اسمٌ من أوْعَد إيعَاداً وهو التَّهديد .

قال ابن عباس : خاف ما أوعدت من العذاب{[19175]} .

وهذا الآية تدلُّ على أنَّ الخوف من الله -تعالى- غير الخوف من وعيده ؛ لأن العطف يقتضي المغايرة .


[19174]:ينظر: إعراب القراءات السبع 1/338 والإتحاف 2/167 والدر المصون 4/256.
[19175]:ذكره الرازي في تفسيره 19/80.