فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (14)

{ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ( 14 ) }

{ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ } أي أرض هؤلاء الكفار الذين توعدوكم بما توعدوكم من الإخراج أو العود .

{ مِن بَعْدِهِمْ } أي بعد هلاكهم ، ومثل هذه الآية قوله سبحانه { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها } وقال : { وأورثكم أرضهم وديارهم } .

عن ابن عباس قال : كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم ويقهرونهم ويكذبونهم ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم ، فأبى الله لرسله والمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر ، وأمرهم أن يتوكلوا على الله وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم ، فأنجز لهم ما وعدهم واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا .

وعن قتادة قال : وعدهم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة ، فبين الله من يسكنها من عباده فقال : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } وإن لله مقاما هو قائمه ، وأن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ودأبوا الليل والنهار .

{ ذَلِكَ } أي ما تقدم من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين في مساكنهم { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } أي موقفي ، وذلك يوم الحساب فإنه موقف الله سبحانه ، والمقام بفتح الميم مكان الإقامة وبالضم فعل الإقامة ، وقيل إن المقام هنا مصدر بمعنى القيام ، أي لمن خاف قيامي عليه ومراقبتي له كقوله : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } وقال الأخفش مقامي بمعنى عذابي .

{ وَخَافَ وَعِيدِ } أي خشي وعيدي بالعذاب ، وقيل بالقرآن وزواجره ، وقيل هو نفس العذاب الموعود للكفار ، والوعيد اسم من الوعد ، وهذه الآية تدل على أن الخوف من الله غير الخوف من وعيده لأن العطف يقتضي التغاير ، قاله الكرخي .