معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

قوله تعالى : { فكيف إذا أصابتهم مصيبة } ، هذا وعيد ، أي : فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة .

قوله تعالى : { بما قدمت أيديهم } ، يعني : عقوبة صدودهم ، وقيل : هي كل مصيبة تصيب جميع المنافقين في الدنيا والآخرة ، وتم الكلام ها هنا ، ثم عاد الكلام إلى ما سبق ، يخبر عن فعلهم فقال : { ثم جاءوك } ، يعني : يتحاكمون إلى الطاغوت ، { ثم جاءوك } ، أي يجيئونك يحلفون . وقيل : أراد المصيبة قتل عمر رضي الله عنه المنافق ، ثم جاءوا يطلبون ديته .

قوله تعالى : { يحلفون بالله إن أردنا } ، ما أردنا بالعدول عنه في المحاكمة أو بالترافع إلى عمر .

قوله تعالى : { إلا إحساناً وتوفيقاً } ، قال الكلبي : إلا إحساناً في القول ، ( وتوفيقاً ) صواباً . وقال ابن كيسان : حقاً وعدلاً ، نظيره { ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى } ، وقيل : هو إحسان بعضهم إلى بعض ، وقيل : هو تقريب الأمر من الحق لا القضاء على أمر الحكم ، والتوفيق هو موافقة الحق ، وقيل : هو التأليف والجمع بين الخصمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

ثم يعرض القرآن بعد ذلك مظهرا آخر من مظاهر نفاقهم عند الشدائد والمحن فيقول : { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بالله إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } .

والفاء فى قوله { فَكَيْفَ } للتفريع . و " كيف " فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف .

والمعنى : فكيف يكون حالهم إذا نزلت بهم النوازل ، وأصابتهم المصائب بسبب تركهم حكم الله ، واتباعهم حكم الطغيان { ثُمَّ جَآءُوكَ } معتذرين عما حدث منهم من قبائح ، والحال أنهم { يَحْلِفُونَ بالله } كذبا وزورا { إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } أى ما أردنا بالتحاكم إلى غيرك - يا محمد - إلا إحسانا إلى المتخاصمين ، وتوفيقا بينهم حتى لا يتسع الخلاف بينهم ، ولم نرد بذلك عدم الرضا بحكمك ، فلا تؤاخذنا بما فعلنا .

والاستفهام بكيف هنا للتهويل . أى أن حالهم عندما تصيبهم المصائب بسبب أفعالهم الخبيثة ، ويأتون للرسول صلى الله عليه وسلم معتذرين ، ستكون حالا بائسة شنيعة مخزية : لأنهم لا يجدون وجها مقبولا للدفاع عما ارتكبوه من قبائح .

والباء فى { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } للسببية . والمراد بما قدمت أيديهم ما اجترحوه من سيئات من أشدها تحكمهم إلى الطاغوت . وعبر عن ذلك بقوله : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } : لأن الأيدى مظهر من مظاهر الإِنسان .

والتعبير ب " ثم " فى هذا المقام للإِشعار بالتباين الشديد بين إعراضهم وصدودهم إذا ما قال لهم قائل : تعالوا إلى حكم الله . . . وبين إقبالهم بعد ذلك معتذرين ومقسمين بالأيمان الكاذبة أنهم ما أرادوا بما فعلوا إلا الإِحسان والتوفيق .

وإن ما قاله هؤلاء المنافقون من أعذار بعد أن أصابتهم المصائب . وانكشف أمرهم بين المؤمنين ، وصاروا محل الازدراء والنبذ لتحاكمهم إلى الطاغوت . ما قاله هؤلاء - كما حكاه القرآن الكريم - ليشبه ما يقوله منافقو اليوم عندما يتهربون من التحاكم إلى شريعة الله إلى التحاكم إلى غيرها من شرائع الناس . فأنت تراهم إذا ما أحيط بهم ، وعجزوا عن الدفاع عن أنفسهم ، اعتذروا بأنهم ما تركوا الحاكم بشريعة الله إلى غيرها لا بقصد الإِحسان إلى المتنازعين ، والتوفيق بين مختلف الطوائف فى المجتمع حتى لا يغضب من ليسوا مسلمين .

ولا شك أن هذه الأعذار لن تغنى عنهم من عذاب الله شيئا ، لأنه لا عذر لمن يهجر شريعة الله ، ويهرع إلى التحاكم إلى غيرها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

{ فكيف } يكون حالهم . { إذا أصابتهم مصيبة } كقتل عمر المنافق أو النقمة من الله تعالى . { بما قدمت أيديهم } من التحاكم إلى غيرك وعدم الرضى بحكمك . { ثم جاؤوك } حين يصابون للاعتذار ، عطف على أصابتهم . وقيل على يصدون وما بينهما اعتراض . { يحلفون بالله } حال . { إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا } ما أردنا بذلك إلا الفصل بالوجه الأحسن والتوفيق بين الخصمين ، ولم نرد مخالفتك . وقيل جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه .