قوله تعالى : { ولو ترى إذ فزعوا } قال قتادة عند البعث حين يخرجون من قبورهم ، { فلا فوت } أي : فلا يفوتونني كما قال : { ولات حين مناص } ، وقيل : إذ فزعوا فلا فوت ولا نجاة ، { وأخذوا من مكان قريب } قال الكلبي من تحت أقدامهم ، وقيل : أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها ، وحيثما كانوا فهم من الله قريب ، لا يفوتونه . وقيل : من مكان قريب يعني عذاب الدنيا . وقال الضحاك : يوم بدر . وقال ابن أبزي : خسف بالبيداء ، وفي الآية حذف تقديره : ولو ترى إذ فزعوا لرأيت أمراً تعتبر به .
وأخيرا نرى سورة " سبأ " تختتم بهذه الآيات ، التى تصور تصويرا مؤثرا ، حالة الكافرين عندما يخرجون من قبولهم للبعث والحساب ، يعلوهم الهلع والفزع ، ويحال بينهم وبين ما يشيتهون ، لأن توبتهم جاءت فى غير أوانها . . . قال - تعالى - : { وَلَوْ ترى إِذْ فَزِعُواْ . . . فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ } .
وجواب { لَوْ } محذوف . وكذلك مفعول { ترى } . والفزع : حالة من الخوف والرعب تعترى الإِنسان عندما يشعر بما يزعجه ويخفيه . والفوت : النجاة والمهرب ، وهذا الفزع للكافرين يكون عند خروجهم من قبورهم للبعث والحساب ، أو عند قبض أرواحهم .
أى : ولو ترى - أيها العاقل - حال الكافرين ، وقت خروجهم من قبورهم للحساب ، وقد اعتراهم الفزع والهلع . . لرأيت شيئا هائلا ، وأمرا عظيما . .
وقوله { فَلاَ فَوْتَ } أى : فلا مهرب لهم ولا نجاة يومئذ من الوقوف بين يدى الله - تعالى - للحساب ، ولمعاقبتهم على كفرهم وجحودهم . .
وقوله : { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } معطوف على { فَزِعُواْ } أى : فزعوا دون أن ينفعهم هذا الفزع ، وأخذوا ليلقوا مصيرهم السيئء من مكان قريب من موقف الحساب .
قال الآلوسى : والمراد بذكر قرب المكان ، سرعة نزول العذاب بهم والاستهانة بهم وبهلاكهم ، وإلا فلا قرب ولا بعد بالنسبة إلى الله - عز وجل - . .
يقول تعالى : ولو ترى - يا محمد - إذ فَزِع هؤلاء المكذبون{[24414]} يوم القيامة ، { فَلا فَوْتَ } أي : فلا مفر لهم ، ولا وزر ولا ملجأ { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } أي : لم يكونوا يُمنعون في الهرب{[24415]} بل أخذوا من أول وهلة .
قال الحسن البصري : حين خرجوا من قبورهم .
وقال مجاهد ، وعطية العوفي ، وقتادة : من تحت أقدامهم .
وعن ابن عباس والضحاك : يعني : عذابهم في الدنيا .
وقال عبد الرحمن بن زيد : يعني : قتلهم يوم بدر .
والصحيح : أن المراد بذلك يوم القيامة ، وهو الطامة العظمى ، وإن كان ما ذكر متصلا بذلك .
وحكى ابن جرير عن بعضهم قال : إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس ، ثم أورد في ذلك حديثا موضوعا بالكلية . ثم لم ينبه على ذلك ، وهذا أمر عجيب غريب منه .
لما جاءهم التعريض بالتهديد من لازم المتاركة المدلول عليها بقوله : { فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربي } [ سبأ : 50 ] للعلم بأن الضال يستحق العقاب أتبع حالهم حين يحلّ بهم الفزع من مشاهدة ما هدّدوا به .
والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم تسلية له أو لكل مخاطب . وحذف جواب { لو } للتهويل . والتقدير : لرأيت أمراً فظيعاً .
ومفعول { ترى } يجوز أن يكون محذوفاً ، أي لو تراهم ، أو ترى عذابهم ويكونَ { إذ فزعوا } ظرفاً ل { ترى } ويجوز أن يكون { إذ } هو المفعول به وهو مجرد عن الظرفية ، أي لو ترى ذلك الزمان ، أي ترى ما يشتمل عليه .
والفزع : الخوف المفاجىء ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : " إنكم لَتَكْثُرون عند الفَزَع وتَقِلُّون عند الطمع " . وهذا الفزع عند البعث يشعر بأنهم كانوا غير مهيِّئين لهذا الوقت أسبابَ النجاة من هوله .
والأخذ : حقيقته التناول وهو هنا مجاز في الغلب والتمكن بهم كقوله تعالى : { فأخذهم أخذة رابية } [ الحاقة : 10 ] . والمعنى : أُمسِكُوا وقَبض عليهم لملاقاة ما أعد لهم من العقاب .
وجملة { فلا فوت } معترضة بين المتعاطفات . والفوت : التفلت والخلاص من العقاب ، قال رويشد الطائي :
إن تذنبوا ثم تأتيني بقيتكم *** مما علي بذنب منكم فوت
أي إذا أذنبتم فجاءت جماعة منكم معتذرين فذلك لا يدفع عنكم جزاءكم على ذنبكم .
وفي « الكشاف » : « ولو ، وإذْ ، والأفعال التي هي فَزِعوا ، وأُخذوا ، وحيل بينهم ، كلها للمضيّ ، والمراد بها الاستقبال لأن ما الله فاعله في المستقبل بمنزلة ما كان ووُجد لتحققه » اهـ . ويزداد عليها فعل { وقالوا } .
والمكان القريب : المحشر ، أي أخذوا منه إلى النار ، فاستغني بذكر { مِن } الابتدائية عن ذكر الغاية لأن كل مبدأ له غاية ، ومعنى قرب المكان أنه قريب إلى جهنم بحيث لا يجدون مهلة لتأخير العذاب .
وليس بين كلمتي { قريب } هنا والذي في قوله : { إنه سميع قريب } [ سبأ : 50 ] ما يشبه الإِيطاء في الفواصل لاختلاف الكلمتين بالحقيقة والمجاز فصار في الجمع بينهما محسِّن الجناس التام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.