البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

والظاهر أن قوله : { ولو ترى إذ فزعوا } أنه وقت البعث وقيام الساعة ، وكثيراً جاء : { ولو ترى إذ وقفوا على النار } { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم } وكل ذلك في يوم القيامة ؛ وعبر بفزعوا ، وأخذوا ، وقالوا ؛ وحيل بلفظ الماضي لتحقق وقوعه بالخبر الصادق .

وقال ابن عباس ، والضحاك : هذا في عذاب الدنيا .

وقال الحسن : في الكفار عند خروجهم من القبور .

وقال مجاهد : يوم القيامة .

وقال ابن زيد ، والسدّي : في أهل بدر حين ضربت أعناقهم ، فلم يستطيعوا فراراً من العذاب ، ولا رجوعاً إلى التوبة .

وقال ابن جبير ، وابن أبي أبزي : في جيش لغزو الكعبة ، فيخسف بهم في بيداء من الأرض ، ولا ينجو إلا رجل من جهينة ، فيخبر الناس بما ناله ، قالوا ، وله قيل :

وعند جهينة الخبر اليقين . . .

وروى في هذا المعنى حديث مطول عن حذيفة .

وذكر الطبري أنه ضعيف السند ، مكذوب فيه على رواية ابن الجراح .

وقال الزمخشري ، وعن ابن عباس : نزلت في خسف البيداء ، وذلك أن ثمانين ألفاً يغزون الكعبة ليخربوها ، فإذا دخلوا البيداء خسف بهم .

وذكر في حديث حذيفة أنه تكون فتنة بين أهل المشرق والمغرب ، فبينما هم كذلك ، إذ خرج السفياني من الوادي اليابس في فوره ، ذلك حين ينزل دمشق ، فيبعث جيشاً إلى المدينة فينتهبونها ثلاثة أيام ، ثم يخرجون إلى مكة فيأتيهم جبريل ، عليه السلام ، فيضربها ، أي الأرض ، برجله ضربة ، فيخسف الله بهم في بيداء من الأرض ، ولا ينجو إلا رجل من جهينة ، فيخبر الناس بما ناله ، فذلك قوله : { فلا فوت } ، ولا يتفلت منهم إلا رجلان من جهينة ، ولذلك جرى المثل : «وعند جهينة الخبر اليقين » ، اسم أحدهما بشير ، يبشر أهل مكة ، والآخر نذير ، ينقلب بخبر السفياني .

وقيل : لا ينقلب إلا رجل واحد يسمى ناجية من جهينة ، ينقلب وجهه إلى قفاه .

ومفعول ترى محذوف ، أي ولو ترى الكفار إذ فزعوا فلا فوت ، أي لا يفوتون الله ، ولا يهرب لهم عنما يريد بهم .

وقال الحسن : فلا فوت من صيحة النشور ، وأخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها . انتهى .

أو من الموقف إلى النار إذا بعثوا ، أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا ، أو من صحراء بدر إلى القليب ، أو من تحت أقدامهم إذا خسف بهم ، وهذه أقوال مبنية على تلك الأقوال السابقة في عود الضمير في فزعوا .

ووصف المكان بالقرب من حيث قدرة الله عليهم ، فحيث ما كانوا هو قريب .

وقرأ الجمهور : { فلا فوت } ، مبني على الفتح ، { وأخذوا } : فعلاً ماضياً ، والظاهر عطفه على { فزعوا } ، وقيل : على { فلا فوت } ، لأن معناه فلا يفوتوا وأخذوا .

وقرأ عبد الرحمن مولى بني هاشم عن أبيه ، وطلحة ؛ فلا فوت ، وأخذ مصدرين منونين .

وقرأ أبي : فلا فوت مبنياً ، وأخذ مصدراً منوناً ، ومن رفع وأخذ فخبر مبتدأ ، أي وحالهما أخذ أو مبتدأ ، أي وهناك أخذ .

وقال الزمخشري : وقرىء : وأخذ ، وهو معطوف على محل فلا فوت ، ومعناه : فلا فوت هناك ، وهناك أخذ . انتهى .

كأنه يقول : لا فوت مجموع لا ، والمبني معها في موضع مبتدأ ، وخبره هناك ، فكذلك وأخذ مبتدأ ، وخبره هناك ، فهو من عطف الجمل ، وإن كانت إحداهما تضمنت النفي والأخرى تضمنت الإيجاب .

والضمير في به عائد على الله ، قاله مجاهد ، أي يقولون ذلك عندما يرون العذاب .

وقال الحسن : على البعث .

وقال مقاتل : على القرآن .

وقيل : على العذاب .

وقال الزمخشري وغيره : على الرسول ، لمرور ذكره في قوله : { ما بصاحبكم من جنة } .