فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

{ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له ، قيل : المراد فزعهم عند نزول الموت بهم أو غيره من بأس الله تعالى وقال الحسن : هو فزعهم في القبور من الصيحة ، وقال قتادة : هو فزعهم إذا خرجوا من قبورهم .

وقال السدي : هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة فلم يستطيعوا فرارا ولا رجوعا إلى التوبة ، وقال ابن معقل : هو فزعهم إذا عاينوا عقاب الله يوم القيامة ، وقال سعيد بن جبير : هو الخسف الذي يخسف بهم في البيداء فيبقى رجل منهم فيخبر الناس بما لقي أصحابه فيفزعون ، وجواب لو محذوف أي لرأيت أمرا عظيما وحالا هائلة { فَلا فَوْتَ } أي فلا يفوتني أحد منهم ولا ينجوا منهم ناج ، قال مجاهد : فلا مهرب وقال ابن عباس : فلا نجاة .

{ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } من ظهر الأرض أو من القبور وهي قريبة من مساكنهم في الدنيا كما قاله أبو حيان ، أو قريب من موقف الحساب ، وقيل : أي قبضت أرواحهم في أماكنها فلم يمكنهم الفرار من الموت ، وهذا على قول من يقول : هذا الفزع عند النزع ، وقيل : أخذوا من جهنم فألقوا فيها . وقيل من حيث كانوا فهم من الله قريب لا يبعدون عنه ولا يفوتونه .

وقال ابن عباس من تحت أقدامهم ، وعنه قال : نزلت في ثمانين ألفا يغزون في آخر الزمان الكعبة ليخربوها فلما يدخلون البيداء يخسف بهم ، فهو الأخذ من مكان قريب ، ذكره القرطبي .

وقد ثبت في الصحيح أنه يخسف بجيش في البيداء من حديث حفصة وعائشة ، وخارج الصحيح من حديث أم سلمة وصفية وأبي هريرة وابن مسعود ، وليس في شيء منها أن ذلك سبب نزول هذه الآية ، ولكنه أخرج ابن جرير من حديث حذيفة بن اليمان قصة الخسف هذه مرفوعة ، وقال في آخرها : فذلك قوله عز وجل في سورة سبأ : { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت } الآية ، وقيل : يجوز أن يكون هذا الفزع هو الفرع الذي بمعنى الإجابة . يقال فزع الرجل : إذا أجاب الصارخ الذي يستغيث به كفزعهم إلى الحرب يوم بدر .