الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

ثم قال : { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت } اختلف في وقت هذا الفزع فقيل : ذلك في الآخرة وقيل : في الدنيا .

فالمعنى على قول ابن عباس : أي لو ترى يا محمد إن فزع هؤلاء المشركون عند نزول العذاب بهم فلا فوت لهم من العذاب .

{ وأخذوا من مكان قريب } أي : من الدنيا بالعذاب .

قال ابن عباس : هذا من عذاب الدنيا{[56024]} .

قال ابن زيد : هؤلاء قتلى المشركين من أهل بدر ، وهم الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار{[56025]} .

وقال ابن جبير : هم الجيش الذين يخسف بهم بالبيداء يبقى منهم رجل يخبر الناس بما لقي أصحابه{[56026]} .

وروى حذيفة بن اليمان{[56027]} أن النبي صلى الله عليه وسلم " ذكر فتنة " تكون بين أهل المشرق والمغرب قال : فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فورة ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين ، جيشا إلى المشرق ، وجيشا إلى المدينة حتى ينزلوا بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة فيقتلون أكثر من ثلاث آلاف ويبقرون فيها أكثر من مائة امرأة ، بها ثلاث مائة كبش{[56028]} من بني العباس ، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها ، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش منها على ليلتين{[56029]} فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ، ويحل جيشه الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيام ولياليها ، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله عليهم جبريل عليه السلام فيقول : يا جبريل اذهب فأبدهم ، فيضربها برجله ضربة يخسف الله لهم ، فذلك قوله تعالى ذكره : { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب }فلا يفلت منهم إلا رجلان ، أحدهما بشير والآخر نذير وهما من جهينة ، فذلك جاء المثل{[56030]} : " وعند جهينة الخبر اليقين " {[56031]} .

وقال الحسن وقتادة : معنى الآية : ولو ترى يا محمد إذ فزع المشركون يوم القيامة حين خرجوا من قبورهم{[56032]} .

قال قتادة : " وأخذوا من مكان قريب " حين عاينوا العذاب{[56033]} .

وجواب لو محذوف والتقدير : لو رأيت ذلك يا محمد لعاينت أمرا عظيما ولرأيت عبرة .

وقوله { فلا فوت } أي : فلا سبيل لهم أن يفوتوا بأنفسهم وينجوا من العذاب .

قال ابن عباس " فلا فوت " فلا نجاة{[56034]} .

وقال علي بن سعيد{[56035]} : " فلا فوت " قال : جالوا جولة .

وقال إبراهيم بن عرفة{[56036]} : " فلا فوت " أي : لم يسبقوا ما أريد منهم .

وقيل : في الكلام تقديم وتأخير والتقدير : ولو ترى إذ فزعوا وأخذوا من مكان قريب فى فوت ، أي : فلا يفوتونا .

وقال الضحاك : " فلا فوت " فلا هرب{[56037]} .

{ وأخذوا من مكان قريب } أي : أخذوا بعذاب الله من مكان قريب لأنهم حيث كانوا فهم من الله قريب .

وقال مجاهد : أخذوا من تحت أقدامهم .


[56024]:انظر: جامع البيان 22/107 والمحرر الوجيز 13/150 والبحر المحيط 7/293
[56025]:انظر: المصادر السابقة وتفسير ابن كثير 3/545 والدر المنثور 6/712
[56026]:انظر: جامع البيان 22/107 والمحرر الوجيز 13/150 والجامع للقرطبي 14/314 والدر المنثور 6/712
[56027]:هو أبو عبد الله حذيفة بن اليمان صحابي جليل من السابقين روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أبو الطفيل والأسود بن يزيد وتوفي سنة 36 هـ انظر: حلية الأولياء 1/270، 42 وصفة الصفوة 1/610 والإصابة 1/317، 11647 وتقريب التهذيب 1/156، 183
[56028]:كبش القوم: رئيسهم وسيدهم، وقيل: كبش القوم حاميتهم والمنظور إليه فيهم، وكبش الكتيبة قائدها. انظر: مادة "كبش" في اللسان 6/338 والقاموس المحيط 2/285
[56029]:في الأصل: "ليلتين" وفي جامع البيان: "الفئتين"
[56030]:انظر: هذا المثل في مجمع الأمثال 2/3 ، 2383 والمستقصى في أمثال العرب 2/169 ، 573 واللسان مادة "جهن" 13/91
[56031]:أورده الطبري في جامع البيان 22/107 والقرطبي في الجامع 14/315 عن حذيفة بن اليمان وأخرجه الحاكم في المستدرك مختصرا عن ابن عباس كتاب الفتن والملاحم 4/520
[56032]:انظر: جامع البيان 22/108 والجامع للقرطبي 4/315 والدر المنثور 6/711
[56033]:انظر: جامع البيان 22/108 والدر المنثور 6/711
[56034]:انظر: جامع البيان 22/108 والجامع للقرطبي 14/314
[56035]:هو أبو الحسن علي بن سعيد العسكري من حفاظ الحديث نسبته إلى عسكر سامراء، رحل إلى أصبهان سنة 298 وخرج إلى نيسابور وتوفي سنة 300 هـ له من الكتب: "الشيوخ" "والمسند" انظر: الإعلام 4/291
[56036]:هو أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي العكتي إمام في النحو فقيه مسند في الحديث ثقة كان يؤيد مذهب سيبويه في النحو فلقبوه "نفطوية" له كتب منها: "غريب القرآن" "وأمثال القرآن" وتوفي ببغداد سنة 323هـ انظر: إنباه الرواة 1/176 ، 109 ووفيات الأعيان 1/47 ، 12 والفهرست لابن النديم 127
[56037]:انظر: جامع البيان 22/109