معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

قوله تعالى : { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة } ، قال ابن عباس : يعني ونحول بينهم وبين الإيمان ، فلو جئناهم بالآيات التي سألوا ما آمنوا بها كما لم يؤمنوا به أول مرة ، أي : كما لم يؤمنوا بما قبلها من الآيات من انشقاق القمر وغيره ، وقيل : { كما لم يؤمنوا به أول مرة } ، يعني : معجزات موسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام ، كقوله تعالى { أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } ، [ القصص :48 ] ، وفي الآية محذوف تقديره : فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : المرة الأولى دار الدنيا ، يعني لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا نقلب أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان كما لم يؤمنوا في الدنيا قبل مماتهم ، كما قال : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } [ الأنعام :28 ] .

قوله تعالى : { ونذرهم في طغيانهم يعمهون } ، قال عطاء : نخذلهم وندعهم في ضلالتهم يتمادون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

وقوله { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } معطوف على { لاَ يُؤْمِنُونَ } وداخل معه فى حكم { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } مقيد بما قيد به .

أى : وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم عن إدراك الحق فلا يفقهونه ، وأبصارهم عن اجتلائه فلا يبصرونه ، كشأنهم فى عدم إيمانهم بما جاءهم أول رمة من آيات . وهدايات على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقترحوا عليه تلك المقترحات الباطلة .

إنكم إيها المؤمنون لا تدرون ذلك ولا تشعرون به لأنه علمه عند الله وحده .

قال الآلوسى : وهذا التقليب ليس مع توجه الأفئدة والأبصار إلى الحق واستعدادها له ، بل لكمال نبوها عنه وإعراضها بالكلية ، ولذلك أخر ذكره عن ذكر عدم إيمانهم إشعارا بأصالتهم فى الكفر ، وحسما لتوهم أن عدم إيمانهم ناشىء من تقليبه - تعالى - مشاعرهم بطريق الإجبار " .

وقوله { وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } معطوف على { لاَ يُؤْمِنُونَ } .

والعمه : التردد فى الأمر مع الحيرة فيه ، يقال : عمه كفرح ومنع - عمها إذا تردد وتحير .

أى : ونتركهم فى تجاوزهم الحد فى العصيان يترددون متحيرين ، لا يعرفون لهم طريقا ، ولا يهتدون إلى سبيل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

وقوله تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } قال العَوفي عن ابن عباس في هذه الآية : لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء ورُدَّت عن كل أمر .

وقال مجاهد : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ [ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ] }{[11052]} ونحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كل آية ، فلا يؤمنون ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة .

وكذا قال عِكْرِمة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنه قال : أخبر الله ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه . قال : { وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] ، [ وقال ]{[11053]}

{ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ ]{[11054]} لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الزمر : 56 - 58 ] فأخبر سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى ، وقال : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] ، وقال { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } قال : لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى ، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا . وقوله : { وَنَذَرُهُمْ } أي : نتركهم { فِي طُغْيَانِهِمْ }{[11055]} قال ابن عباس والسُّدِّي : في كفرهم . وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة : في ضلالهم .

{ يَعْمَهُونَ } قال الأعمش : يلعبون . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والربيع ، وأبو مالك ، وغيره : في كفرهم يترددون .


[11052]:زيادة من أ.
[11053]:زيادة من أ.
[11054]:زيادة من م، أ، وفي هـ: "إلى قوله".
[11055]:في م، أ: "في طغيانهم يعمهون".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

وقوله تعالى : { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا } المعنى على ما قالت فرقة ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في النار وفي لهيبها في الآخرة لما لم يؤمنوا في الدنيا ثم استأنف على هذا ونذرهم في الدنيا { في طغيانهم يعمهون }{[5057]} .

وقالت فرقة إنما المراد بالتقليب التحويل عن الحق والهدى ، والترك في الضلالة والكفر ، ومعنى الآية أن هؤلاء الذين أقسموا أنهم يؤمنون إن جاءت آية نحن نقلب أفئدتهم وأبصارهم أن لو جاءت فلا يؤمنون بها كما لم يؤمنوا أول مرة بما دعوا إليه من عبادة الله ، فأخبر الله تعالى على هذا التأويل بصورة فعله بهم{[5058]} ، وقرأ أبو رجاء «يذرهم » بالياء ورويت عن عاصم ، وقرأ إبراهيم النخعي [ ويقلب ] [ ويذرهم ] بالياء فيهما كناية عن الله تبارك وتعالى ، وقرأ أيضاً فيما روى عنه مغيرة «وتَقلَب » بفتح التاء واللام بمعنى وتنقلب أفئدتهم وأبصارهم بالرفع فيهما{[5059]} ، «ويذرْهم » بالياء وجزم الراء ، وقالت فرقة قوله { كما } في هذه الآية إنما هي بمعنى المجازاة أي لما لم يؤمنوا أول مرة نجازيهم بأن نقلب أفئدتهم عن الهدى ونطبع على قلوبهم فكأنه قال ونحن نقلب أفئدتهم وأبصارهم جزاء لما لم يؤمنوا أول مرة بما دعوا إليه من الشرع ، والضمير في «به » يحتمل أن يعود على الله عز وجل أو على القرآن أو على النبي عليه السلام ، و { نذرهم } معناه نتركهم ، وقرأ الأعمش والهمداني «ويذرهم » بالياء وجزم الراء على وجه التخفيف ، والطغيان : التخبط في الشر والإفراط فيما يتناوله المرء ، والعمى التردد والحيرة .


[5057]:- وعلى هذا التأويل يكون بعض الآية في الآخرة، وبعضها في الدنيا، ونظيرها: (وجوه يومئذ خاشعة) فهذا في الآخرة: (عاملة ناصبة) وهذا في الدنيا.
[5058]:- فهذا كله إخبار من الله تعالى بفعله بهم في الدنيا، ونظير الآية على هذا المعنى قوله تبارك وتعالى: {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون}، ويؤكد هذا المعنى آخر الآية وهو قوله سبحانه: {ونذرهم في طغيانهم يعمهون}. بمعنى: ونتركهم في تخبطهم في الشر والإفراط فيه يتحيرون.
[5059]:- نقل أبو حيان رواية مغيرة عن النخعي: [وتقلب أفئدتهم وأبصارهم] بالرفع على البناء للمفعول لا على معنى وتتقلب. فتأمل.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

يجوز أن يكون عطفاً على جملة { أنّها إذا جاءت لا يؤمنون } [ الأنعام : 109 ] فتكون بياناً لقوله { لا يؤمنون } [ الأنعام : 109 ] ، أي بأن نعطِّل أبصارَهم عن تلك الآية وعقولهم عن الاهتداء بها فلا يبصُرون ما تحتوي عليه الآية من الدّلائل ولا تفقه قلوبهم وجه الدّلالة فيتعطَّل تصديقهم بها ، وذلك بأن يحرمهم الله من إصلاح إدراكهم ، وذلك أنّهم قد خُلقت عقولهم نابية عن العلم الصّحيح بما هيّأ لها ذلك من انسلالها من أصول المشركين ، ومن نشأتها بين أهل الضّلال وتلقّي ضلالتهم ، كما بيّنتُه آنفاً . فعبّر عن ذلك الحال المخالف للفطرة السّليمة بأنّه تقليب لعقولهم وأبصارهم ، ولأنّها كانت مقلوبة عن المعروف عند أهل العقول السّليمة ، وليس داعي الشّرك فيها تقليباً عن حالة كانت صالحة لأنّها لم تكن كذلك حيناً ، ولكنّه تقليب لأنّها جاءت على خلاف ما الشّأن أن تجيء عليه .

وضمير { به } عائد إلى القرآن المفهوم من قوله : { لئن جاءتهم آية } [ الأنعام : 109 ] فإنّهم عَنوا آية غير القرآن .

والكاف في قوله : { كما لم يؤمنوا به أوّل مرّة } لتشبيه حالة انتفاء إيمانهم بعد أن تجيئهم آية ممّا اقترحوا . والمعنى ونقلِّب أيديهم وأبصارهم فلا يؤمنون بالآية الّتي تجيئهم مثلَما لم يؤمنوا بالقرآن من قبلُ ، فتقليب أفئدتهم وأبصارهم على هذا المعنى يحصل في الدّنيا ، وهو الخذلان .

ويجوز أن تكون جملة { ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم } مستأنفة والواو للاستئناف ، أو أن تكون معطوفة على جملة { لا يؤمنون } [ الأنعام : 109 ] . والمعنى : ونحن نقلّب أفئدتهم وأبصارهم ، أي في نار جهنّم ، كناية عن تقليب أجسادهم كلّها . وخصّ من أجسادهم أفئدتُهم وأبصارهُم لأنّها سبب إعراضهم عن العبرة بالآيات ، كقوله تعالى : { سحروا أعْيُن النّاس } [ الأعراف : 116 ] ، أي سحروا النّاسَ بما تُخيِّلُه لهم أعينهم .

والكاف في قوله : { كما لم يؤمنوا به } على هذا الوجه للتّعليل كَقوله : { واذكروه كما هداكم } [ البقرة : 198 ] .

وأقول : هذا الوجه يناكده قوله { أوّل مرّة } إذ ليس ثمّة مرّتان على هذا الوجه الثّاني ، فيتعيّن تأويل { أوّل مرّة } بأنّها الحياة الأولى في الدّنيا .

والتّقليب مصدر قلّب الدالّ على شدّة قلب الشّيء عن حاله الأصليّة . والقلب يكون بمعنى جعل المقابل للنظر من الشيء غير مقابل ، كقوله تعالى : { فأصبح يُقلِّب كفَّيْه على ما أنفق فيها } [ الكهف : 42 ] ، وقولهم : قَلَب ظَهْر المِجَن ، وقريب منه قوله : { قد نرى تقلّب وجهك في السّماء } [ البقرة : 144 ] ؛ ويكون بمعنى تغيير حالة الشيء إلى ضدّها لأنّه يشبه قلب ذات الشّيء .

والكاف في قوله : { كما لم يؤمنوا به } الظّاهر أنّها للتّشبيه في محلّ حال من ضمير { لا يؤمنون } [ الأنعام : 109 ] ، و« ما » مصدريّة . والمعنى : لا يؤمنون مثل انتفاء إيمانهم أوّل مرّة . والضّمير المجرور بالباء عائد إلى القرآن لأنّه معلوم من السّياق كما في قوله : { وكذّب به قومك } [ الأنعام : 66 ] ، أي أنّ المكابرة سجيّتهم فكما لم يؤمنوا في الماضي بآية القرآن وفيه أعظم دليل على صدق الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يؤمنون في المستقبل بآيةٍ أخرى إذا جاءتهم .

وعلى هذا الوجه يكون قوله : { ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم } معترضاً بالعطف بين الحال وصاحبها . ويجوز أن يجعل التّشبيه للتقليب فيكون حالاً من الضّمير في { نقلّب } ، أي نقلّب أفئدتهم وأبصارهم عن فطرة الأفئدة والأبصار كما قلّبناها فلم يؤمنوا به أوّل مرّة إذ جمحوا عن الإيمان أوّلَ ما دعاهم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، ويصير هذا التّشبيه في قوّة البيان للتّقليب المجعول حالاً من انتفاء إيمانهم بأنّ سبب صدورهم عن الإيمان لا يزال قائماً لأنّ الله حرمهم إصلاح قلوبهم .

وجوّز بعض المفسّرين أن تكون الكاف للتّعليل على القول بأنّه من معانيها ، وخُرّج عليه قوله تعالى : { واذكروه كما هداكم } [ البقرة : 198 ] . فالمعنى : نقلّب أفئدتهم لأنّهم عصوا وكابروا فلم يؤمنوا بالقرآن أوّلَ ما تحدّاهم ، فنجعلُ أفئدتهم وأبصارهم مستمرّة الانقلاب عن شأن العقول والأبصار ، فهو جزاء لهم على عدم الاهتمام بالنّظر في أمر الله تعالى وبعثة رسوله ، واستخفافهم بالمبادرة إلى التّكذيب قبل التّأمّل الصّادق .

وتقديم الأفئدة على الأبصار لأنّ الأفئدة بمعنى العقول ، وهي محلّ الدّواعي والصّوارف ، فإذا لاح للقلب بارق الاستدلال وجّه الحواس إلى الأشياء وتأمّل منها . والظّاهر أنّ وجه الجمع بين الأفئدة والأبصار وعدم الاستغناء بالأفئدة عن الأبصار لأنّ الأفئدة تختصّ بإدراك الآيات العقليّة المحضة ، مثل آية الأمِّية وآيةِ الإعجاز . ولمّا لم تكفهم الآيات العقليّة ولم ينتفعوا بأفئدتهم لأنّها مقلَّبة عن الفطرة وسألوا آيات مرئيّة مبصَرة ، كأنْ يرقى في السّماء وينزلَ عليهم كتاباً في قرطاس ، أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بأنّهم لو جاءتهم آية مبصرة لَمَا آمنوا لأنّ أبصارهم مقلّبة أيضاً مثل تقليب عقولهم .

وذُكِّر { أوّل } مع أنّه مضاف إلى { مرّة } إضافة الصفة إلى الموصوف لأنّ أصل « أوّل » اسمُ تفضيل . واسم التّفضيل إذا أضيف إلى النّكرة تعيّن فيه الإفراد والتّذكير ، كما تقول : خَديجَةُ أوّل النّساء إيماناً ولا تقول أولى النّساء .

والمراد بالمرّة مرّة من مَرّتَيْ مجيء الآيات ، فالمرّة الأولى هي مَجيء القرآن ، والمرّة الثّانية هي مجيء الآية المقترحة ، وهي مرّة مفروضة .

{ ونَذَرُهم } عطف على { نُقلّب } . فحُقِّق أنّ معنى { نقلّب أفئدتهم } نتركها على انقلابها الّذي خلقت عليه ، فكانت مملوءة طغياناً ومكابرة للحقّ ، وكانت تصرف أبصارهم عن النّظر والاستدلال ، ولذلك أضاف الطّغيان إلى ضميرهم للدّلالة على تأصّله فيهم ونشأتهم عليه وأنّهم حرموا لين الأفئدة الّذي تنشأ عنه الخشيةُ والذّكرى .

والطّغيان والعَمَه تقدّماً عند قوله تعالى : { ويمُدّهم في طغيانهم يعمهون } في سورة [ البقرة : 15 ] .

والظّرفيّة من قوله : { في طغيانهم } مجازية للدّلالة على إحاطة الطّغيان بهم ، أي بقلوبهم . وجملة : { ونذرهم } معطوفة على { نقلّب } . وجملة { يعمهون } حال من الضّمير المنصوب في قوله : { ونذرهم } . وفيه تنبيه على أنّ العمَه ناشيء عن الطّغيان .