الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

قوله سبحانه : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }[ الأنعام :110 ] .

فالمعنى ، على ما قالت فرقة : ونقلِّب أفئدتهم وأبصارهم في النَّار ، وفي لهبها في الآخرة ، لمَّا لم يُؤْمِنُوا في الدنيا ، ثم استأنف على هذا : ونَذَرُهُمْ في الدنيا في طغيانهم يعمهون ، وقالتْ فرقة : إنما المراد بالتقْلِيبِ التَّحْويلُ عن الحَقِّ والهدى والتَّرْكُ في الضلالةِ والكُفْر ، ومعنى الآية : أن هؤلاء الذين أقسموا أنَّهم يؤمنُون إنْ جاءت آية نحْنُ نقلِّب أفئدتهم وأبصارهم ، أنْ لو جاءت فلا يؤمنون بها ، كما لم يؤمنوا أولَ مرَّة بما دُعُوا إلَيْه من عبادة اللَّه تعالى ، فأخبر اللَّه عزَّ وجلَّ على هذا التأويل بصورة فعله بهم ، وقالتْ فرقة : قوله : { كَمَا } ، في هذه الآية : إنما هي بمعنى المجازاة ، أي : لما لم يؤمنوا أولَ مرَّة ، نجازيهم ، بأنْ نقلِّب أفئدتهم عن الهدى ، ونطبع على قلوبهم ، فكأنه قال : ونحْنُ نقلِّب أفئدتهم وأبصارهم ، جَزَاءً لِمَا لم يؤمنوا أول مرة بما دُعُوا إلَيْه من الشرع ، والضميرُ في { بِهِ } يحتمل أنْ يعود على اللَّه عزَّ وجلَّ ، أو على القرآن ، أو على النبيِّ صلى الله عليه وسلم { وَنَذَرُهُمْ } : معناه : نتركُهم ، والطغيانُ : التخبُّط في الشرِّ ، والإفراطُ فيما يتناوله المرء ، و{ يَعْمَهُونَ } : معناه : يتردَّدون في حيرتهم .