تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

المفردات :

ونقلب أفئدتهم : ونحول قلوبهم .

يعمهون : يتحيرون .

التفسير :

110- ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة . . . الآية . أي ونحول قلوبهم عن الإيمان كما لم يؤمنوا بما أنزل من القرآن أول مرة .

جاء في حاشية الصاوي على الجلالين : وهو استئناف مسوق لبيان أن خالق الهدى والضلال هو الله لا غيره ، فمن أراد له الهدى حول قلبه لله تعالى ومن أراد الشقاوة حول قلبه لها .

وقال الشوكاني في فتح القدير : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم . معطوف على لا يؤمنون .

والمعنى : نقلب أفئدتهم وأبصارهم يوم القيامة على لهب النار وحر الجمر .

كما لم يؤمنوا : في الدنيا .

ونذرهم . : أي : نمهلهم ولا نعاقبهم .

في طغيانهم يعمهون : أي : ونتركهم في ضلالهم يتخبطون ويترددون متحيرين .

وقد دل قوله تعالى : ونذرهم في طغيانهم يعمهون . على أن تقليبه تعالى لأفئدتهم وأبصارهم ليس بطريق الإجبار والقهر ، بل بأن يخليهم وما انطوت عليه نفوسهم في الطغيان .

إن الله تعالى ألهم الإنسان رشده ومنحه العقل والإرادة والاختيار . فإذا سار في طريق الخير والحق يسر له ذلك وأعانه وشرح صدره وأمده بالهدى والتوفيق ، وإذا تكبر الإنسان على هداية السماء وأعرض عنها ، سلب الله عنه الهدى عقوبة على إعراضه فالله لا يظلم أحدا من خلقه .

قال تعالى : إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون . ( يونس : 44 ) .

وقد علم الله منهم البعد عن الاستجابة إلى دعوة الله والبعد عن الإيمان برسوله حتى لو أنزل إليهم ملائكة السماء عيانا ، وأحيا لهم الموتى فكلموهم الموتى وأخبروهم بصدق محمد ، وجمع لهم كل شيء من الخلائق عيانا ومشاهدة وأعطاهم جميع الآيات التي اقترحوها ما كانوا ليؤمنوا إلا من سبقت له الهداية والمشيئة من الله بالهداية .

قال تعالى : ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون . ( الأنعام : 111 ) .

وهذه الآية الكريمة يبدأ بها الجزء الثامن إن شاء الله والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يرضى ربنا ويحب . وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

تم تفسير الجزء السابع ، ويليه تفسير الجزء الثامن إن شاء الله رب العالمين .

***

اللهم ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا . ( الكهف : 10 ) .

الله يسر لنا إتمام هذا العمل حتى نكمل تفسير كتابك الكريم على النحو الذي تحبه وترضاه ، وهب لنا الإخلاص والتوفيق والقبول لنا وللقارئين وسائر المؤمنين .

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

***

كلمة الختام :

أخي المؤمن :

لقد دار الزمان دورته ، وجربت البشرية نظما وضعية من صنع البشر ، ثم أفاقت فوجدت أنها أخطأت كثيرا .

ونحن المسلمين أولى الناس بالعودة إلى تراثنا وديننا وكتاب ربنا فهو الهدى والنور .

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه ستكون فتن ، قلنا ما المخلص منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم وهو الجد ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، لم تسمعه الجن حتى قالت إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا .

أخي المؤمن : نحن في حاجة إلى مدارسة القرآن وفهمه واستكنان هديه وروحه وحكمته فهو النور والهدى والدواء والشفاء قال تعالى : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين . ( الإسراء : 82 ) .

في القرآن الكريم شفاء لأمراضنا ، ودواء لمشاكلنا ونور يضيء لنا الطريق ، وفي هدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمله وسنته وأقواله وأفعاله نبراس ونموذج يقتدى به قال تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا . ( الأحزاب : 21 ) .

وهذه الصحوة الإسلامية فجر جديد ، وروح جديد ، ونور جديد يحتاج منا مدارسة القرآن وتلاوته وحفظه وترتيله وتجويده والتغني به وفي الحديث الشريف : ( اقرءوا القرآن فإن الله يأجركم بكل حرف منه عشر حسنات ) ( 121 ) .

أخي المؤمن : العهد هو المحافظة على الصلاة والطهارة وإقامة أركان الإسلام والتوبة النصوح فضع يدك في يد الله ، ولتكن بيعة صادقة وعهد لله صادق على طاعة الله و مرضاته و سلوك الطريق المستقيم ، و ثق أنك ستجد الامان و الرضا و السعادة في طاعة الله وفي حب كتاب الله وفي الاقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال رجل يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا وأقلل فيه لعلي أعيه . فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( قل آمنت بالله ثم استقم ) ( 122 ) .

وقال تعالى : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم * ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين * ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم . ( فصلت : 30 : 35 ) .

وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

***

تخريج أحاديث وهوامش

تفسير القرآن الكريم

( الجزء السابع )

خرج أحاديثه

الأستاذ

كمال سعيد فهمي

تفسير القرآن الكريم

الجزء الثامن من القرآن الكريم

الدكتور

عبد الله شحاتة

بسم الله الرحمن الرحيم