التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

{ وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( 109 ) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( 110 ) }[ 109 – 110 ] .

في الآيات حكاية لما كان الكفار يحلفونه من الأيمان الغليظة بأنهم ليؤمنن إذا ما جاءتهم آية من الله مؤيدة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يرد عليهم قائلا : إنما الآيات عند الله وليست في متناول قدرته . وبأن يسأل مخاطبين قريبين عما إذا كان لا يخطر ببالهم أن الله لو أظهر معجزة أن ينقض الحالفون أيمانهم ولا يؤمنوا بها . وتقرير رباني بأن قلوبهم ستظل قاسية وأبصارهم متعامية كما هو دأبهم قبل . ثم يبقون عمهين في طغيانهم مصرين على مكابرتهم لا يؤمنون كدأبهم منذ البدء أو منذ وقفوا مثل هذا الموقف لأول مرة .

تعليق على آية

{ وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا }

ولقد روى المفسرون أن قريشا قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنك تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فتنفجر منه عيون الماء ، وأن عيسى كان يحيي الموتى وأن هودا أتى بمعجزة الناقة لثمود فأتنا بآية حتى نصدقك ، قال : فإن فعلت ما تقولون ، أتصدقونني ؟ قالوا : نعم . والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين . فقال : ما تحبون أن آتيكم به ، قالوا اجعل لنا الصفا ذهبا ، وابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك ، وأتنا بالملائكة يشهدون لك ، فقام يدعو ربه فجاءه جبريل يقول له : إن الله يبلغك إن شئت أرسل آية فإن لم يؤمنوا أخذهم بالعذاب وإن شئت تركهم حتى يثوب ثائبهم فقال : بل اتركهم حتى يثوب ثائبهم فنزلت الآيات . وروى الطبري أن جملة { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( 109 ) } موجهة إلى المؤمنين لأن هؤلاء قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما طلب المشركون آية وأقسموا أنهم ليؤمنن إذا جاءتهم ، سل ربك يا رسول الله ذلك ، فوجه الله الخطاب في الآية إليهم .

والآيات لم ترد في الصحاح ، ولكنها متساوقة مع فحوى الآيات . وصحتها محتملة وفيها صورة طريفة من صور العهد المكي ، وما كان يعتلج في صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه معا من رغبة ملحة في اهتداء قومهم ، وهذه الصورة ملموحة في الآية الأولى ولو لم تصح الروايات .

ومن المحتمل أن تكون الآيات نزلت للمناسبة المذكورة في الروايات بعد الآيات السابقة فوضعت بعدها ، ومن المحتمل أن تكون المناسبة سابقة فأشير إليها في سياق الإشارة إلى مواقف المشركين . ونحن نميل إلى ترجيح الاحتمال الثاني ؛ لأن السياق متساوق والآيات معطوفة على ما قبلها .

ولقد علقنا على موضوع تحدي الكفار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بالمعجزة وموقف الوحي القرآني من ذلك وحكمته في سياق تفسير سورة المدثر . وفي هذه الآيات توكيد جديد لهذا الموقف يضاف إلى ما جاء من مثله في سور سبق تفسيرها مثل طه والقصص والإسراء ويونس وهود .

وفيها كذلك تعليل جديد لموقف الكفار وهو أن موقفهم ناشيء عن مكابرة وعناد . وليس موقف رغبة صادقة في الإيمان . وبعض العبارات توهم ظاهرا أن الله سبحانه هو الذي يحول دون إيمان الكفار ويذرهم يستمرون ويعمهون في طغيانهم . والذي يتبادر لنا أن العبارات أسلوبية وبسبيل تقرير شدة مكابرة الكفار وإصرارهم على العناد وعدم صدق رغبتهم كما هو شأن الصيغ المماثلة . ونرجو أن يكون الشرح الذي شرحنا به العبارات هو الوجه والصواب .

ولقد أرسل الله رسوله بالبينات والهدى للناس وطلب منهم أن يؤمنوا وبشر المؤمنين وأنذر الكافرين في آيات كثيرة جدا وخاطبهم في آية في سورة الزمر قائلا : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم } [ 7 ] فيتنزه الله عن منعهم من الإيمان .