غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

101

ومعنى تقليب الأفئدة والأبصار هو أنهم إذا جاءتهم الآيات القاهرة التي اقترحوها عرفوا كيفية دلالتها على صدق الرسول إلا إنه تعالى إذا قلب قلوبهم وأبصارهم عن ذلك الوجه الصحيح بقوا على الكفر ولم ينتفعوا بتلك الآيات . والتقليب تحريك الشيء عن وجهه . وكان صلى الله عليه وسلم وآله يقول «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك » والمراد أنه تعالى يقلب القلوب تارة من داعي الخير إلى داعي الشر وبالعكس . وإنما قدم ذكر تقليب الأفئدة على تقليب الأبصار ، لأن موضع الدواعي والصوارف هو القلب فإذا حصلت الداعية في القلب انصرف البصر عنه ، والحاصل أن السمع والبصر آلتان للقلب فلهذا السبب وقع الابتداء بتقليب القلب . قال الجبائي : المراد ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في جهنم على لهب النار وحرها لتعذيبهم . وزيف بأن قوله { ونذرهم } إنما يحصل في الدنيا وهذا يستلزم سوء النظم . وقال الكعبي : المراد ونقلب أفئدتهم وأبصارهم بأنا لا نفعل بهم ما نفعل بالمؤمنين من الفوائد والألطاف حيث أخرجوا أنفسهم عن هذا الحد بسبب كفرهم . وضعف بأنه إنما استحق الحرمان من تلك الألطاف والفوائد بسبب إقدامه على الكفر وهو الذي أوقع نفسه في ذلك الحرمان فكيف يحسن إضافته إلى الله تعالى في قوله { ونقلب } وقال القاضي : القلب باقٍ على حالة واحدة إلا أنه تعالى أدخل التقليب والتبديل في الدلائل . واعترض بأن تقليب القلب نقله من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة . وأما قوله { كما لم يؤمنوا به أول مرة } فقال الواحدي : فيه حذف والتقدير ولا يؤمنون بهذه الآيات كما لم يؤمنوا بظهور الآيات أول مرة يعني أول مرة أتتهم الآيات مثل انشقاق القمر وغيره . والكناية في { به } إما عائدة إلى القرآن ، أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم وآله ، أو إلى ما طلبوا من الآيات وقيل : الكاف للجزاء أي كما لم يؤمنوا أول مرة فكذلك نقلب أفئدتهم وأبصارهم عقوبة لهم . قال الجبائي : { ونذرهم } أي لا نحول بينهم وبين اختيارهم ولا نمنعهم بمعاجلة الهلاك وغيره لكنا نمهلهم ، فإن أقاموا على طغيانهم فذلك من قبلهم وأنه يوجب تأكيد الحجة عليهم . وقالت الأشاعرة : نقلب أفئدتهم من الحق إلى الباطل ونتركهم في ذلك الطغيان والضلال والعمى .

/خ110