قوله تعالى : { فهل عسيتم } فلعلكم ، { إن توليتم } أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه ، { أن تفسدوا في الأرض } تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدماء ، وترجعوا إلى الفرقة بعد ما جمعكم الله بالإسلام . { وتقطعوا أرحامكم } قرأ يعقوب : ( وتقطعوا ) بفتح التاء خفيف ، والآخرون بالتشديد من التقطيع ، على التكثير ، لأجل الأرحام ، قال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرحمن ؟ وقال بعضهم : هو من الولاية . وقال المسيب بن شريك والفراء يقول : فهل عسيتم إن وليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم ، نزلت في بني أمية وبني هاشم ، يدل عليه قراءة علي بن أبي طالب توليتم بضم التاء والواو وكسر اللام ، يقول : إن وليتكم ولاة جائرين خرجتم معهم في الفتنة وعاونتموهم .
ثم بين - سبحانه - ما هو متوقع منهم ، ووجه الخطاب إليهم على سبيل الالتفات ليكون أزجر لهم ، فقال : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ } .
قال الفخر الرازى ما ملخصه : وهذه الآية فيها إشارة إلى فساد قول قالوه ، وهو أنهم كانوا يقولون : كيف نقاتل العرب وهم من ذوى أرحامنا وقبائلنا .
والاستفهام للتقرير المؤكد ، وعسى للتوقع ، وفى قوله { إِن تَوَلَّيْتُمْ } وجهان : أحدهما : أنه من الولاية ، يعنى : فهل يتوقع منكم - أيها المنافقون - إن أخذتم الولاية وسار الناس بأمركم ، إلا فساد فى الأرض وقطع الأرحام ؟
وثانيهما : أنه من التولى بمعنى الإِعراض وهذا أنسب - أى : إن كنتم تتركون القتال ، وتقولون فيه الإِفاسد وقطع الأرحام ، لكون الكفار أقاربنا ، فإن فى هذه الحالة لا يتوقع منكم إلا الإِفساد وقطع الأرحام كما كان حالكم فى الجاهلية .
وعلى كلا القولين فالمقصود من الآية توبيخهم على جبنهم وكراهتهم لما يأمرهم به النبى - صلى الله عليه وسلم - من الجهاد فى سبيل الله - تعالى - ، وتقريعهم على أعذارهم الباظلة ، ببيان أنهم لو أعرضوا عن القتال وخالفوا تعاليم الإِسلام فلن يكون منهم إلا الإِفساد وقطع الأرحام ، وكذلك سيكون حالهم لو تولوا أمور الناس ، وكانوا حكاما لهم .
وقوله : { أَن تُفْسِدُواْ } خبر عسى ، وقوله : { إِن تَوَلَّيْتُمْ . . } جملة معترضة ، وجواب { إِن } محذوف لدلالة قوله : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } عليه .
أى : ما يتوقع منكم إلا الإِفساد وقطع الأرحام ، إن أعرضتم عن تعاليم الإِسلام ، أو إن توليتم أمور الناس ، فأحذروا أن يكون منكم هذا التولى الذى سيفضى بكم إلى سوء المصير ، الذى بينه - سبحانه –
وقوله : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ } أي : عن الجهاد ونكلتم عنه ، { أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } أي : تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء ، تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام ؛
ولهذا قال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ }
{ فهل عسيتم } فهل يتوقع منكم . { إن توليتم } أمور الناس وتأمرتم عليهم ، أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام . { أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } تناحرا على الولاية وتجاذبا لها ، أو رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور ومقاتلة الأقارب ، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم : هل عسيتم ، وهذا على لغة الحجاز فإن بني تميم لا يلحقون الضمير به وخبره { أن تفسدوا } و{ إن توليتم } اعتراض ، وعن يعقوب { توليتم } أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم وساعدتموهم في الإفساد وقطيعة الرحم { وتقطعوا } من القطع ، وقرئ { تقطعوا } من التقطع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.